مع تطور الحضارات البشرية زادت أهمية وقيمة الإنسان، وزاد تميزاً في كل مجالات الحياة على مرّ العصور حتى ظهر ما يسمى ب"أنسنة التنمية". إن مفهوم الأنسنة جاء ليسلط الضوء على أبرز المشكلات الإنسانية وإصلاحها، وحفظ الكرامة الإنسانية، وإثبات أنّ الفرد الإنساني ذو قيمة، واحترام هذه القيمة هي نتاج ومصدر لكل القيم الأخرى وكل حقوق الإنسان. إن العالم ما زال بحاجة إلى نموذج اقتصادي نوعي يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث: التنمية المستدامة في مجال اقتصاد المعرفة، والرفاهية المادية، وسلامة الفرد والكرامة الإنسانية، فالتنمية مسار شامل ومستمر يتم من خلال حسن استخدام موارد وإمكانات المجتمع للنهوض به نحو الأفضل. وتهدف أنسنة التنمية إلى رفع مستوى المعيشة بتلبية الحاجات الأساسية للأفراد التي تتوقف على العدالة الاجتماعية للإنسان من خلال توسيع وتحديث مفهوم التنمية المستدامة ليشمل ضرورة التمتع بجميع حقوق الإنسان، ولا تتقدم مراكب التنمية والتحرر من الفقر وعقد الجهل إلا بتطوير الفلسفة الإنسانية التي تتمحور حول الإنسان وقيمته الإنسانية المطلقة. ولتحقيق الحياة الآمنة والسلام العام، لا بد أن يكون التسامح الحقيقي وليس الشكلي، بحيث ينبع من السلام الداخلي الروحي والإيمان الحقيقي الذي لا يهتزّ لمجرّد حدث عنفي بل يستند إلى قناعة راسخة. وإن في الدين الإسلامي الحنيف ما يكفي البشرية جمعاء من تعاليم ومبادئ تصلح على الصعيد الوجداني لتعميم ثقافة التسامح والسلام والتواصل بين شعوب الأرض. وعلى الصعيد التنموي، يشكل الإسلام مصدراً حقيقياً لكل مقومات النهوض والازدهار والرفاهية، والإسلام له دور ريادي في الباب، وقد عرف التراث الإسلامي عبارات مرادفة للتنمية المستدامة وللرفاهية والعدالة الاجتماعية. إن نظرة الإسلام من التنمية والعمران هي نظرة شاملة لمكوني الإنسان: الروح والجسد، عقلا وفكرا، فقد ركز الإسلام على الإنسان كمحور للعملية التنموية لما يتميز به من تفكير وضمير، ففرض الإسلام على كل فرد وجماعة، وعلى كل حاكم ومحكوم أن لا يخرجوا بأقوالهم وأفعالهم عن الحدود التي شأنها المساس بالضرورات الخمس التي تشمل النفس والمال والدين والعقل والعرض. أنسنة التنمية هي جوهر الدين الإسلامي، ويشمل ذلك العناية بالعلم وإتقان العمل، والاهتمام بالعقل، وتكريس المبادئ السامية وقيم المساواة والعدل وتوزيع الثروات، كل ذلك بهدف بناء الفرد، وبالتالي المجتمع المثالي خلقياً وعملياً، وتعزيز الحضور الفاعل للإنسان في كل مجال من مجالات الحياة. ولا شك في أن الإسلام دين بناء الإنسان والأوطان، والتنمية والعمران، وما أحوج الأمة العربية والإسلامية اليوم أن تستلهم من تراث الدين الإسلامي. د. معراج أحمد الندوي