عندما قامت الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - عام 1157ه بالدرعية، وقد روى المؤرخ حسين بن غنّام في تاريخه المسمى (روضة الأفكار والأفهام) اللقاء التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ ذلك اللقاء الذي تآزر فيه الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن تلك اللحظة قامت الدولة السعودية الأولى وبدأت في توحيد الجزيرة العربية ونشر الدعوة الإصلاحية في ربوعها فكانت الانتصارات متتالية، لهذا سردها المؤرخ ابن غنّام في تاريخه (غزوات الدولة السعودية حتى عام 1212ه) ثم أكملها المؤرخ عثمان بن بشر في تاريخه (عنوان المجد في تاريخ نجد)، وفي هذين الكتابين نجد أسماء لقادة من نجد وثقت بهم الدولة منذ عهد الإمام محمد بن سعود، ومن هؤلاء القادة القيادي الشجاع سليمان بن محمد بن ماجد - رحمه الله - الذي كان أحد أعلام وشخصيات في الدولة السعودية الأولى، وهذا ما سوف نورده في هذه الجمل والكلمات عن هذا القائد الفذ المتفاني. ولد سليمان بن محمد الماجد في بلدة ثادق وهي مقر أسرته وعشيرته، وهذه الأسرة الكريمة الشهيرة في المنطقة من الأسر القديمة في ثادق، نشأ القيادي في هذه البلدة، ولعل تاريخ ميلاده في حدود 1170ه تقريبًا؛ لأن أول ذكر لهذا القائد البطل هي أحداث 1213ه؛ حيث عُيِّن أميراً على الأحساء، ولا يُعيَّن في الإمارة وفي إقليم كبير مثل الأحساء إلاّ رجل بلغ الأشد من عمره وحنكته وعركته التجارب والأيام - يعني أن عمره كان فوق الأربعين -. صابر ومصابر ويبدو أن القائد سليمان بن ماجد - رحمه الله - شارك في انتصارات الدولة السعودية الأولى قبل أن يصبح قائداً وأميراً على الأحساء، وعرف من هذه الغزوات شجاعته وبسالته، لذلك عينوه أميراً على الأحساء؛ والدليل على هذا لما أثبت القائد بسالته وقوة شكيمته في الحصار الذي حاصره الجيش الغازي، وهنا كانت نقطة التحول في حياة هذا القائد البطل سليمان بن ماجد، لهذا فليس من المستبعد أن القائد سليمان بن ماجد شارك في عدة غزوات تحت راية الإمامين عبدالعزيز بن محمد والإمام سعود بن عبدالعزيز - رحمهما الله -، فلم يكن ارتقاؤه لأكبر إقليم وحساس مثل الأحساء الغني بالثروات الزراعية القريب من سواحل الخليج العربي أمراً مفاجئاً، بل كانت هناك مشاركات لهذا القائد الصابر المصابر فعالة في هذه المعارك، جعلت الإمام سعود يعينه أميراً وقائداً على أهم الأقاليم، ولما كانت بسالته وشجاعته في الحصار كشفت عن شخصية قيادية ورائدة وثق فيه الإمام سعود وعيّنه أميرًا على الأحساء. غنائم كثيرة ومنذ سنة 1208ه والأحساء أصبحت ضمن المناطق التي هي من ضمن الدولة السعودية الأولى تماماً كما يذكر المؤرخ حسين بن غنّام وهو المعاصر لهذا الحدث، وكانت الأحساء تابعة للدولة السعودية الأولى قبل هذا التاريخ - أي عام 1208ه -، لكن حصل نقض للعهد وبعدها استرد الإمام سعود الأحساء مرة أخرى، وسرد المؤرخ ابن غنّام تفاصيل هذا الحدث ونقله عنه المؤرخ عثمان بن بشر في كتابه (عنوان المجد) وغيره من المؤرخين كابن عيسى في تاريخه والمؤرخ عبدالله البسام في كتابه (تحفة المشتاق)، وكلهم عالة على المؤرخ حسين بن غنّام، طبعاً حصل شيء من الاضطراب في الأحساء كما ذكره ابن غنّام في هذه السنة، لكن الاستقرار والأمن استتب مرة أخرى، وكان الإمام سعود قد عاد إلى الأحساء عام 1210ه وبسط الأمن، ونفى أناساً كانوا يثيرون الفتنة حتى ارتحل الإمام سعود من الأحساء عام 1211ه ثم حصلت غزوة ثويني ومعه جيوش كبيرة سنة 1212ه، وكفى الله البلاد والعباد شر هذه الغزوة، وانهزم المعتدون على الأحساء وغنمت جيوش الإمام سعود الغنائم الكثيرة، كما روى معاصر الحدث ومؤرخ الدولة السعودية الأولى ودعوة محمد بن عبدالوهاب في تاريخه ابن غنّام، لكن تاريخه توقف عند سنة 1212ه للأسف الشديد، مع أنه لم يتوف إلاّ سنة 1225ه. صلاحيات القيادة وفي عام 1213ه وهي الواقعة التي لم يسجلها المؤرخ ابن غنّام وهو معاصر لها وشاهد عيان، حيث جاء غزو كبير مرة ثانية وهي المحاولة الثانية لمحاربة الدولة السعودية الأولى، وهذه الغزوة هي بقيادة القائد علي كيخيا ومعه جيش قد عبّأ عتاداً وعدة بأحدث أنواع الأسلحة في ذاك الزمن - القرن الثالث عشر الهجري / القرن السابع عشر الميلادي - وانحدرت هذه القوات كالطوفان من كل جهة وصوب وتيممت جهة الأحساء مع قائدهم علي كيخيا، يقول ابن بشر واصفاً قوات الجيش: «وانفق له قوة هائلة من المدافع والقنابر وآلات الحروب... الخ» - ابن بشر (حوادث سنة 1213ه) -، وحاصرت هذه الجيوش بلد الأحساء، خاصةً القصرين اللذين فيهما من الجنود حصن الهفوف وقصر المبرز، وكان في حصن الهفوف القائد إبراهيم بن سليمان بن عفيصان، وأمّا قصر المبرز ففيه القائد سليمان بن ماجد، وبما يظهر أنه قائد هذه القوة المرابطة في المبرز - كما هو من سياق نص ابن بشر التاريخي - وكان أمره ونهيه مطاع، وكان تحت قيادته 100 رجل، ولعل بعضهم من جماعته أهل ثادق، وهذا الاستنتاج في أن البطل سليمان بن ماجد كان قائداً لقوة كانت مرابطة في الأحساء، وقد يكون نائباً لأمير الأحساء، أنه لما حوصر في هذا القصر وقال له الجنود الذين في القصر أصلح مع هذه القوة المحاصرة فلا يمكن أن يقال هذا الكلام إلاّ لقائد لديه صلاحيات القيادة والرئاسة والأمر، ولو هذا لما برز اسمه في هذا الحصار وتوجه إليه الجنود بطلب الصلح من القوة المحاصرة. ثبات وشجاعة وقال المؤرخ ابن بشر عن حصار القوة برئاسة علي الكيخيا لقصر المبرز: «فسار علي كيخيا المذكور بجميع تلك الجموع وقصد الأحساء»، ثم قال: «فزحف على قصر المبرز وحاصره في سابع شهر رمضان إلى سبع مضين من ذي القعدة - يعني شهر وعشرين يوما مدة الحصار - وهو يحاول هذا الحصن بكل الأسباب من القتل وسوق الرجال والأبطال والرمي بالمدافع والقنابر، والرمي الذي هدم غالب الحصن، وكاد يفنيه لولا وقاية الله تعالى وحفروا عليه حفوراً وملأوها بالبارود وثوّروها عليهم وبنوا بنياناً عالياً يرمون - أي الأعداء المحاصرون - وسط القصر منه، وعملوا زحافات للجدران وسار خلفها الرجال بالمدافع وهدموا بالمدافع جدرانه وبيوته، وعملوا كل الأسباب الموصلة لتحصيل المراد وأقاموا على هذه المدة كل يوم يجددون هذا القصر قتالاً وأسباباً فوقع فيهم الفشل وصار كيدهم إلى تباب، ولم يكن في هذا القصر إلاّ نحو مئة رجل أكثرهم من بلدان نجد مع الشجاع سليمان بن محمد بن ماجد من أهل بلد ثادق وألقى الله عليه ثباتاً عظيماً هو ومن معه ولم يعبؤوا بتلك الجنود ولم يعطوا الدنية لعددهم، فلما طال المقام على تلك العساكر والجموع وبطل كيدهم وقع في قلوبهم الملل والتخاذل وألقى الله في قلوبهم الرعب فنزلوا وارتحلوا راجعين وتركوا الأحساء» - انتهى كلام ابن بشر -. عدم الصلح وثبّت الله هؤلاء الجنود بسبب هذا القائد البطل الشجاع الحازم القيادي المحنك سليمان بن ماجد - رحمه الله - فكان إصراره على عدم الصلح والتسليم لهذا العدو الغاشم سببا من أسباب رحيل الجيش وملله ونفاد صبره من هذا الحصار الذي استمر شهر وعشرين يوماً، وفك الحصار برحيل الجيش عن الأحساء برئاسة علي الكيخيا، يقول ابن بشر: «ولما أراد الكيخيا ومن معه الارتحال جمعوا سلالم وزحافات الخشب والجذوع التي أعدوها للرصاص لحفر الحفور والجدران وشيئاً من خيامهم ومتاعهم وطعامهم وأشعلوا فيها النيران، وعند وصول القطار المعروف عند حويران الأحساء وقع في قلوبهم الرعب وخافوا من سعود وجيوش المسلمين وهم نازلون قريباً منهم في ديرة بني خالد فدفنوا رصاص مدافعهم، قال لي رجل عاش معهم - أظنه في موضعه إلى اليوم - وأحرقوا بعض خيامهم وراياتهم، وهذا القصر المحصور هو قصر صاهود - أي الذي فيه القائد سليمان بن ماجد ومن معه -». وبعد رحيل جيش علي الكيخيا من الأحساء وانهزامهم أمام جيش الإمام سعود، يقول المؤرخ ابن بشر: «ثم رحل سعود ونزل الأحساء ورتب حصونه وثغوره وأقام فيه قريبا من شهرين واستعمل فيه أميراً سليمان بن ماجد ثم رحل إلى وطنه قافلاً رحمه الله». قصيدة نادرة ونذكر هنا قصيدة القائد البطل سليمان بن ماجد أثناء الحصار في قصر صاهود التي لم يذكرها المؤرخ ابن بشر لأنها من الشعر النبطي، وها هي القصيدة المجيدة النادرة التي تنبئ عن شاعرية سليمان بن ماجد - رحمه الله -: الحمد للي مجري كل الأقدار يا واحد ما له شبيه يقادي أمسيت في ليلي وأنا أدبر الأفكار ذا هاجسٍ مقبل وهذاك عادي قالوا لنا راع الكوخ يمّك سار يبغي يمشي ذا البدع والفسادي قلت الله أكبر من كبرٍ ولو صار نعم الإله اللي يثبت المنادي وارتد هجر ما بها بندقٍ ثار وعوت كلاب البر هي والبلادي وحِطّت قصور الحق وسط كفار كالشامة البيضا بوسط السوادي تسعين يومٍ بضرب الطوب بجدار لولا ثبات الله يمد به بادي لو هو على ركن الجبل كان قد طار وزنه على عشرين رطل وزادي وكن السماء يُرمى علينا منه نار وحفر يطي الخد حسّه ينادي وأنا اتوجّد لابةٍ شبة الأنمار يروون حد مخضرات الهنادي لا ترهبي يا دار من كثرة الأنذار ساسك على التوحيد سوّس وكادي في وسطك أبطالٍ على الحرب صبّار يرجون يوم اللقا والمرادي ويذكر صاحب كتاب (كيف كان ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب) تكليفاً من قبل الدولة السعودية الأولى كُلِّف به القائد سليمان بن ماجد ذهابه إلى نجران وبسط الأمن فيها وجعل فيها قوة تحفظ فيها الأمن قرابة 300 جندي. صدق وتضحية هذه هي سيرة القائد سليمان بن ماجد الذي تفانى - رحمه الله - في خدمة الدولة السعودية الأولى بكل إخلاص وصدق وتضحية، وموقفه في الحصار ليعد من أعظم المواقف وأشرفها، ولولا لطف الله عز وجل ووقايته ثم صمود هذا القائد ومعه هؤلاء الجنود وثباتهم وتوكلهم على الله أولاً وأخيرًا لاقتحم العدو هذا القصر بما فيه، فرحمة الله على هذا القائد ومن معه من الجنود الشجعان، والجنود يستمدون معنوياتهم من قائدهم، ولذلك كانت معنويات الجنود قوية لأن قائدهم لم يستسلم بل صبر وصابر وصد الهجوم، وقد مكث في إمارة الأحساء من عام 1213ه حتى عام 1219ه - كما ذكر المؤرخان ابن بشر وابن لعبون، حيث عُيِّن بدلاً منه ابراهيم بن عفيصان -. وفي الختام فإن أسرة الماجد في ثادق خرج منها قضاة وعلماء، وأدباء ورجال أعمال خدموا وطنهم بإخلاص، وأذكر منهم الشيخ د. عبدالعزيز الماجد أستاذ مادة الحديث في كلية أصول الدين - رحمه الله - فهو من طلبة العلم، وقد درسنا في كلية الشريعة فكان ذا سمعة طيبة في أرجاء الكلية. أشكر الأستاذ البحّاثة إبراهيم آل الشيخ على تزويدي بسيرة هذا القائد الماجد سليمان بن ماجد فله مني وافر الشكر والتقدير. قصر صاهود الذي أثبت فيه ابن ماجد صموده وقوته امتلك ابن ماجد شخصية قيادية أهلته ليكون أميراً على الأحساء قصيدة نادرة لسليمان بن ماجد بعد ردع الأعداء كتاب روضة الأفكار والأفهام لحسين بن غنام