محبة الناس لشخص ما وانجذابهم إليه واللهج بالثناء والمدح فيه نعمة من نعم الله على العبد، وقد تكون نقمة إذا أصيب هذا الشخص بالغرور، كان بعض السلف يقول في دعائه: "اللهم اجعلني في عيني صغيرًا وفي أعين الناس كبيرًا". وشخصيتنا اليوم ممن جبلها الله على كريم الخلق، واكتسب حب من عرفه وجالسه وقرب منه؛ ألا وهو عصام بن عبدالله بن خميس -رحمه الله-، والذي وُلد في عام 1379ه ودرس مثل بقية الصغار والشباب مراحل التعليم ثم التحق بجامعة الملك سعود كلية التربية -تربية بدنية- وتخرّج عام 1404ه، ثم دخل عالم الوظيفة في وزارة المعارف -وزارة التعليم حالياً- معلمًا للتربية البدنية، ثم أصبح مشرفًا للتربية البدنية في إدارة تعليم الرياض. كان يتمتع بحيوية، وإن كان هذا دأب معلم التربية البدنية في برنامجه اليومي الصباحي المبكر، إلاّ أن شخصية عصام كانت ذات طاقة غير محدودة في العمل وخارج العمل الميداني، سرعة الإنجاز والاتقان والإجادة فيما يوكل إليه، كانت ظاهرة واضحة في سيرته التي قرأتها عنه، فكان لا يكل ولا يمل من العمل فهو عملي من الدرجة الأولى بل محب لعمله، ومن أحب عمله أبدع فيه وابتكر وجدد. ومع أنني لم أشاهد عصام الخميس إلاّ مرة واحدة قبل 25 عاماً في مناسبة خاصة إلاّ أن الانطباع عن شخصيته كان في نفسي طيباً ومريحاً وجذاباً للغاية، وليتني تواصلت معه بعد هذه الجلسة اليتيمة حتى سمعت خبر رحيله عن هذه العاجلة، وما عند الله له خير وأبقى وأعظم. كان عصام الخميس شعلة نشاط لا تنطفئ، وحينما قرأت سيرته ونشاطه الرياضي الإداري والفني تعجبت من هذا النشاط والمقدرة في هذه الأعمال، فقد كان عضوًا في عدة لجان متعددة ومتنوعة وكثيرة وعلمت أن شخصيته شخصية قيادية متمرسة بل موهوبة في الإدارة سواء كانت هذه اللجان أو العضوية داخل وزارة التربية والتعليم أو خارجها بما له علاقة بتخصصه الرياضي، فهو إمّا رئيس لجنة أو نائب رئيس لجنة أو عضو في لجنة أو مشرف أو منسق الشؤون الإدارية أو رئيس وفد لخارج المملكة، ونذكر هذه على سبيل المثال لا الحصر، ومنها: عضو مجلس إدارة الاتحاد السعودي الرياضة للجميع في عام 1415ه ورئيس اللجنة فيها، عضو لجنة الرياضة المدرسية والجامعية بالاتحاد السعودي للتربية البدنية والرياضية من عام 1413ه وحتى عام 1416ه، نائب رئيس إدارة نادي الدرعية الرياضي ثلاث سنوات من عام 1415ه حتى عام 1418ه، نائب رئيس لجنة الرياضة المدرسية والجامعية بالاتحاد السعودي للتربية البدنية والرياضية من عام 1417ه إلى عام 1421ه، رئيس وفد المملكة المشارك في الدورة التدريبية الأولى للتزلج على الرمال بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1421ه، أمين عام الاتحاد السعودي «الرياضة للجميع» في تشكيلته الجديدة الصادرة عام 1421ه، رئيس وفد المملكة المشارك في المهرجان الأولى «الرياضة للجميع» بدول مجلس التعاون الخليجي عام 2003م، ممثل وفد المملكة للمؤتمر العربي للرياضة الذي عقد بالقاهرة وهو أول مؤتمر يعقد وذلك عام 1424ه، كما أنه ترأس وفد المملكة «الرياضة للجميع» في المهرجان الثاني والمهرجان الرابع وكذا الخامس، وسبق أن ترأس الوفد في المهرجان الأول. عمل وتفانٍ ولم يتوقف عصام الخميس عن العطاء لعمله ولوطنه فيما فيه التجديد والتطوير، فكان شخصية إيجابية متفائلة في العمل الرسمي وغير الرسمي، لا يتأفف من العمل حتى ولو امتد إلى ما بعد وقت الدوام، وهذا ما تقرؤه في هذه السيرة في المهام والأعمال التي تولاها وباشرها، فكانت جنته العمل والتفاني فيه، والمداومة على خدمة أي مفيد ونافع لعمله أو خارج العمل، ومنحه الله طاقات متجددة مع أنه رب أسرة لها التزاماتها الاجتماعية، لكن الله وفقه إلى أن يوازن بين أسرته وعمله وأن لا يقصر في أي منهما، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والبركة في الوقت هي أن تنجر أعمالاً ضخمة وكثيرة في وقت وجيز ولعل هذا الأمر قد حبا الله به عصام الخميس. ومن الأعمال التي قام بها عصام الخميس خلال مشواره الوظيفي الرسمي وغير الرسمي: ترأس وفد المملكة المشارك في اتفاقية التعاون بين المملكة وجمهورية مصر العربية خلال المدة من 24-29 شوال 1429ه، عضو اللجنة بالاتحاد العربي «الرياضة للجميع» الذي ترأس فيها وفد المملكة عدة مرات واستمر عضوًا فيها. مجال إعلامي ولعصام الخميس مجالات إعلامية ساهم فيها بقلمه وكذلك ثقافية، وكتب عدة مقالات في الصحافة المحلية في المجال الرياضي، ولم يفته الإعلام المرئي، فقد شارك في البرامج الرياضية آنذاك، وهو كذلك كان له قلم في الثقافة الرياضية التربوية في وزارة التربية والتعليم، فهو رئيس لجنة التأليف لكتاب النشاط الرياضي، وقد صدر هذا الكتاب عام 1422ه، وهو عضو الفريق المؤلف لكتاب براعم المملكة، ولأن عصام ذاك الرجل التربوي المعلم الإداري والقيادي يحب التطوير فكان أن حصل على عدة دورات تضيف الى عمله الجديد الابتكار والتحديث، ومن هذه الدورات دورات في الحاسب الآلي، ودورة في النشاط، ودورة في الإدارة التدريبية في الإدارة الرياضية، ودورة في تفعيل الاتصال التربوي من خلال تفضيلات التفكير، ودورة في القيادة الاستراتيجية، ودورة في مهارة فنون إدارة الاجتماعات وغيرها من عشرات الدورات. علاقة عميقة ومن شاهد الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- مع ابنه البار عصام يدرك عظم هذه العلاقة العميقة، فليست علاقة والد بولده بل كأنهما صديقان لا يستغنى أحدهما عن الآخر، فكان عصام ظل والده وملازم له في رحلاته وتنقلاته وحله وترحاله إذا كان مقيماً غير مسافر بشأن عمله، فهي علاقة ليست عادية، فعصام تأثر بوالده الشيخ عبدالله بن خميس من حيث حب التراث العربي والشعر، وحفظ بعض عيون الشعر العربي والشعبي، يوضِّح هذا الترابط بينهما عبدالله بن عصام -نجل عصام- في حديثه عن والده قائلاً: وقد استطاع رحمه الله خلال حياته أن يعيش كما أراد محبًا للثقافة والرياضة والفنون، وشخَّص عبدالله هذه العلاقة بين والده وجده متحدثاً: وقد حضرت وعايشت كذلك علاقته بوالده حيث كان ملازمًا له وساكنًا في منزله ومسؤول عن شؤون منزله ومزرعته، وعبدالله بن خميس بالنسبة له -أي عصام- شاعره وأديبه المفضل يحفظ كثيراً من قصصه وأخباره وقصائده، مبيناً أنه كان الشيخ عبدالله حينما يراه يقول: ونفس عصام سودت عصاما وعلّمته الكر والإقداما ويضيف عبدالله قائلاً: وكان حين يلاحظ عليه كثرة التنقل والترحال لظروف العمل وحين عودته يمازحه ويقول -أي والده-: كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ وحين لا يستحضر والده رحمه الله مطلع بعض القصائد في الشعر العربي أو الشعبي كان والدي بذاكرته الحاضرة دائمًا يسعفه. أدب وشعر ويوضِّح عبدالله بن عصام عشق والده للشعر والأدب وذلك تأثراً بوالده قائلاً: يردد العديد من الأبيات والقصائد أمامنا منذ الصغر ليحثنا على حفظها والاستفادة من حِكَمَها، أتذكر على سبيل المثال قول الشاعر: لَسْنَا وَإِنْ أَحْسَابُنَا كَرُمَتْ يوماً عَلَى الْأَحْسَابِ نَتَّكِلُ نبني كما كانت أوائلُنا تبني ونفعل مثلما فعلوا وفي الشعر الشعبي كان مثلاً يردد قصيدة راشد الخلاوي التي يوصي فيها ابنه وهي القصيدة الدالية المليئة والزاخرة بالحكم والعظات والتجارب والنضج. وقال محمد السدراني -أحد أصدقاء عصام- مصوراً تأثر عصام بوالده: عصام بن عبدالله بن محمد بن خميس -رحمه الله- هو ابن الأديب المشهور عبدالله بن خميس والذي اكتسب ونهل من والده الثقافة الأدبية وحب للشعر وروايته وحسن الإلقاء والخطابة. شخص قيادي وتحدث د. محمد بن سليمان الرويشد عن علاقته بعصام الخميس قائلاً: الحديث عن النجم الذي غاب مبكراً هو حديث عن استعداد فطري للقيادة، صقل وهذب في كنف قيادي مجتمعي، ذلكم هو الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس والسيدة الفاضلة والدته لطيفة بنت فهد الخليف -رحمهما الله- نتج عنه شخص قيادي يمتلك روح المبادرة وحب وإتقان العمل ويحسن التعامل مع الآخرين ويحرص على حقوق العاملين معه، فحصل على مردود كبير من الحب والاحترام. وكان د. الرويشد ممن عرف وخبر أخلاق وسجايا عصام الخميس، فهو يتكلم عن صحبه ليست قصيرة، لهذا كان كلامه عن أخلاق عصام ليس من مجاملة أو لقاءات عابرة، ويؤكد هذا قائلاً: وقد لمست ذلك عن قُرب عندما تشرفت بالعمل معه، ولقد كان هناك ألف سبب ليتولى قيادة النشاط الطلابي في المملكة، ولكن السبب الأهم هو إجماع زملائه في الوزارة وفي إدارات التعليم في جميع أنحاء المملكة على جدارته واستحقاقه وقدرته على القيام بتلك المهمة، وقبل رئاسته للفريق الاستشاري لوكالة التعليم بالوزارة حيث قدم هو وزملائه في الفريق خلاصة خبراتهم لخدمة مشاريع وبرامج الوكالة، لقد بذل الزملاء في الإدارة العامة للنشاط الطلابي وإدارات النشاط في جميع إدارات التعليم بمناطق المملكة بقيادة عصام جهد كبير لإكمال جهود زملائهم السابقين، أوصل النشاط الطلابي لمراحل رائعة. حُب وتفان وذكر التربوي إبراهيم بن مبارك الجرادة انطباعاته وشعوره وذكرياته عن الأستاذ عصام قائلاً: عرفنا عصام الإنسان والمحب لوطنه والمتفاني في عمله عام 1414ه، حيث زارنا في محافظة الأفلاج لزيارة المراكز الصيفية، مبيناً أن عصام أُعجب بالعرض الرياضي الذي أقيم بهذه المناسبة، وكان النشاط الرياضي في عهده شعلة لا تنطفئ ولا يتوانى عن الذهاب لأي منطقة عندما يسمع أن فيها مواهب رياضية، حبه لعمله فاق أغلب مصالحه الشخصية ما كان له الأثر في تفوق النشاط الرياضي على كافة الأنشطة، ويروي موقفاً نبيلاً عن عصام قائلاً: عندما كنا في الأردن للمشاركة في مهرجان الرياضة للجميع وأعلن المهرجان القادم سيكون في المملكة اعتذر الوفد الفلسطيني الشقيق عن المشاركة لعدم توفر ميزانية، فقال عصام: تكاليف الوفد الفلسطيني على حساب الاتحاد السعودي، فقد كان صاحب قرارات جريئة تخدم مصلحة العمل. نادي الدرعية وأبدى بيشان البيشان حب الأستاذ عصام للدرعية قائلاً: لقد أحب الدرعية وأحبته؛ أحبها لأنه كان ينافح عن عاصمة الدولة السعودية الأولى في كافة المحافل الرسمية والشعبية، وهو امتداد لعشق والده الشيخ عبدالله بن خميس الذي ألّف كتابًا عن الدرعية، فقد أسهم في رفع اسم الدرعية من خلال اهتمامه بالرياضة وخاصة كرة القدم كلاعب، حيث كان لي شرف تدريب فريق كرة القدم، ولقد لمست منه الحماس والتفاني، وبذلك استحق كابتن الفريق، وقد استمر في خدمة النادي حيث تولى أمانة مجلس النادي ونائباً للرئيس وسخّر كافة الإمكانات لازدهار النادي، حيث أنشأ ملاعب لكرة القدم في مزرعة والده في العمارية لتمكين فريق كرة القدم من مزاولة التدريبات اليومية عليه، وقد حرص على جمع أهل الدرعية في أي مناسبة يقيمها في مزرعة والده. عطاء وسخاء وأعاد محمد السدراني شريط ذكرياته وقلّب صفحات أيامه مع عصام قائلاً: كان صاحب ابتسامة لا تفارقه، أبيض القلب، عفيف اللسان، حسن التواصل مع جميع محبيه، حريصاً على التقرب من الجميع ومشاركتهم أفراحهم ومتاعبهم وهمومهم، عُرف عنه الكرم الجم، حيث كانت مزرعة والده دارًا لجميع ضيوفه سواء أصدقاء أو وفود الوزارة أو الاتحاد السعودي للرياضة للجميع، كان رحمه الله رمزاً في العطاء والسخاء ومساعدة الآخرين والتواضع ولين الجانب، ومن أبرز أعماله فكرة إنشاء الدورات المدرسية على مستوى المملكة التي ما زالت قائمة حتى الآن، كان يمتلك شخصية رائعة ذات حس وأمانة وقوة بأس نحو العمل الجاد تعكسها نتائج عمله في أي ميدان عمل فيه. وترجل الفارس وأصيب عصام الخميس بمرض خطير وبدأ مرحلة وبرنامج العلاج، وشخصية مثل شخصيته دائماً كانت متفائلة في الحياة وفي المستقبل، فلم يؤثر المرض على نفسيته مع أنه مرض خطير وهو يعلم خطورة هذا المرض لكنه لا يشتكي لأحد، وهو كما يقول زملائه قوي البأس وقبل ذلك مؤمن بقضاء الله وقدره، ويروي عبدالله بن عصام موقفاً مؤثراً في آخر أيام حياته عندما استعد للسفر لأميركا للعلاج قائلاً: ومن المواقف المؤثرة كان آخر لقاء جمع الابن عصام والوالد عبدالله بن خميس وكان اللقاء في المستشفى بالرياض قبل سفره للعلاج، فقد شاهد والده متأثراً، والتأثر كبير وظاهر في قسمات وجهه، وكان هذا اللقاء هو آخر لقاء بينهما، وكان الشيخ عبدالله كذلك مريضاً وحالته ليست جيّدة فرحل إلى أميركا للعلاج لكن المنية كانت هناك، ففاضت روحه الطاهرة المطمئنة لله عز وجل. رحل عصام الذي احترمه زملاؤه وأحبه أصدقاؤه، ونال كل التقدير والإكرام من مرؤسيه العام 1432ه، وتوفى والده الشيخ عبدالله بن خميس بعده بثلاث أشهر ولم يعلم بموته كما يذكر عبدالله بن عصام، فقد رحلا جميعاً في عام واحد، وكانا لا يفترقان إلاّ لدواعي السفر فقط -رحمهما الله- وأسكنهما الفردوس الأعلى. نشكر عبدالله بن عصام بن خميس على تزويدنا بسيرة والده، وهو على خطى والده في مكارم الأخلاق، وكذلك تزويدنا بالتواصل مع بعض أصدقائه، ونشكر عبدالرحمن بن عصام على تعاونه معنا في تزويدنا بسيرة والده الوظيفية وحسن تعامله وطيب خلقه ونفسه. عصام الخميس مع والده عبدالله بن خميس -رحمهما الله- عبدالله بن عصام الخميس د. محمد الرشيد وزير التربية والتعليم الأسبق مُقدماً درعاً تذكارياً لعصام الخميس -رحمهما الله-