لأشد ما أعجبني أثناء وجودي في قاعدة الملك عبدالعزيز البحرية بالجبيل للمشاركة في دورات إعلامية هناك.. ذلك الوفاء الرائع من قبل القاعدة وأهلها لشهدائنا - رحمهم الله -، فكم من شارع مهم في هذه المدينة يتزين بأسمائهم.. حتى وأنت تسأل ساكني القاعدة عن أولئك الشهداء تجد من يحدثك بزهو وفخر وهو يعدد لك مآثرهم وإنجازاتهم، بل لا ينسى حتى تاريخ ومكان وفاتهم. هي رسالة عظيمة حملت كل التقدير لمن أراد الخير للإنسان والأرض، وأحسب أن تلك المعاني المتجددة التي علت وارتقت، في أحد معاقل الشرف والرجولة في قاعدة الملك عبدالعزيز البحرية رسخت عنواناً بدا أن كل من في تلك المدينة الرائعة يحمله ويجسده فحواه التضحية وإيثار الإنسان لنفسه في سبيل وطنه وأهل وطنه. هنا وجب علينا أن نقف عند رسالة التضحية، ولن يتسع المقام لسرد فضائلها فكم من شهيد قدم روحه فداءً لوطنه فاستحق تكريم الجميع، ويكفيه أن كل من يذكره أو يمر بالطريق الذي يحمل اسمه يدعو له بالمغفرة والثواب. فشهداء الواجب أحق أن تخلد أسماؤهم كأهم الشجعان مع المبدعين وأصحاب العمل المثمر لهذا البلد.. وأقف هنا عند شهداء الواجب من أولئك الذين قضوا نحبهم، دفاعاً عن الوطن من عدو داخلي أو خارجي، جدير ألا يغيبوا عن أذهاننا وأجيالنا التي تتواصل من بعدنا، فهل هناك أرقى عنواناً من جملة على لوحة تحمل: "شارع شهيد الواجب.. أو شهيد الوطن فلان"؟.. كيف سيكون وقع مثل ذلك على الناشئة وغيرهم؟ وما الذي سيفعله مثل هذا العنوان في النفس تجاه الوطن؟ وما أثر ذلك في تنمية الحب وتأجيج المشاعر؟ التكريم شأن مهم للإنسان حتى لو تم بعد وفاته، بل إنه يعطي المعنى الحقيقي للعمل الذي كان عليه المُكرّم ومع إيماننا أن من يفتدي بروحه هو الأجدر بالتكريم.. لكن على جميع الجهات وفي إطار العمل الاجتماعي النبيل ألا تبخس المميزين المبدعين شأنهم من أولئك الذين رفعوا اسم الوطن عالياً من قادة عمل ورياضيين وعلماء ومخترعين وأدباء. ختام القول: إنه من الجدير أن نتوقف عند معنى الرسالة العظيمة التي يتبناها التكريم، وأن نجعلها من ضمن أولوياتنا، وألا تكون الجهة الوحيدة المعنية بشهداء الواجب هي الجهات العسكرية فقط، بل على الجهات الأخرى التعليم والصحة والبلديات والرياضة وغيرها تبني إطلاق أسماء الشهداء وأصحاب الإنجاز والمفكرين على بعض شوارعهم أو برامجهم ومنشآتهم وفعالياتهم، تتفاعل مع التكريم لكل المخلصين المبدعين وأولئك الذين يضحون بأرواحهم أو يؤثرون على أنفسهم لأجل وطنهم، أو لأجل رقي الإنسان السعودي وتميزه.
