سابقاً في بلادنا كانوا يطلقون على النّهم في الأكل السمين مصطلح "أبو بطنين" تعبيراً عن أنه يأكل أكثر من حاجته.. ولدى الفلاسفة، وعلماء الاجتماع مقولة مأثورة فحواها:" قل لي من تصاحب أقول لك من أنت"، وفي الأخيرة بدا لي أنها تغيرت الآن في زمن التسارع تقنية وغذاء، ليصح لنا أن نقول بدلاً عنها: "قل لي ماذا تشاهد؟ وماذا تأكل؟ أقول لك من أنت". في بلدان ينظر إلى الكرش المنتفخ جداً على أنه عز ونعمة، وفي أخرى شراهة و"زلاقة"، وثقافة الأكل تغيرت كثيراً حتى باتت لا تعتمد على أسس ولا مبادىء، من فرط انتشار المطاعم واستحداث وجبات جديدة ملأت الأسواق والشوارع بغثها وسمينها.. ليصبح الكثيرون منقادين لها، دون اهتمام بمخاطرها على صحتهم. وبين هذا وذاك أصبحت الشراهة في الأكل منتشرة، وللأسف لدى الأجيال الجديدة ولأنواع غير صحية من الأطعمة، في ظل أنواع لا تمنحه الشبع بل طلب المزيد، وتتفاوت حالة الشراهة هذه من حيث الفترات فقد تطول وقد تقتصر، وإن طالت سببت العديد من الأمراض التي تؤثر على صحة الشخص وفق تغييرات كيميائية أو تذويقية فيها، كما هي أنواع المقليات والحلويات، وبما يصاحب الأكل أو الرغبة بهذا الأكل أسباب عديدة منها، عوامل اجتماعية كالاستعجال واختيار الجاهز السريع، وما إلى ذلك من عوامل نفسية وهرمونية، وهو الأمر الذي حرك المواعيد الثابتة للطعام لتكون عشوائية، وأغفل الحاجات الصحية من الطعام وربما أكثر من الأوجاع والأمراض. نحن نأكل لكي نكون بصحة أفضل وهو ما يفضي إلى أن نعيش أطول، نشدد على ذلك ونحن ندرك أن أكثر الأمراض تأتي من سوء التغذية والوفيات مرتبطة كثيراً بما نأكل، بمعنى أننا نأكل لكي نكون قادرين على مواصلة حياتنا، لا أن نواصل حياتنا كي نأكل، في ظل أن الأمراض المرتبطة بالأكل هي الشائعة الآن في العالم، وسط تسارع الوجبات وقليل منها الصحي، فداء السكري يفتك بمجتمعنا، والكلسترول "عامل عمايله". برأيي أن الثقافة الغذائية أمر مهم وتتجاوز في حاجتها كثيراً من الضرورات الأخرى، لكن هل أحسنّا في برامجنا وتوعياتنا لهذا الأمر؟ أعتقد أن وزارة الصحة أيضاً في الشأن نفسه في ضعف التوعية الغذائية وتعميم ثقافة الغذاء السليم، ولكي تكون عقولنا صافية لابد أن يكون طعامنا مثالياً، وهذه الثقافة ضرورة لأن نجعلها نبراساً حتى في مناهج التعليم، وفي النشرات التثقيفية، وفي المهرجانات الترفيهية، والأعمال التلفزيونية، لأنها أخذت من مجتمعنا الكثير ليصبح أسيراً لثقافة غذائية أكثرت فيه الأمراض قبل زيادة الوزن. المهم في القول: إننا لو أخذنا هذا من منظور ديني لوجدنا أننا أخفقنا في ذلك، في ظل أن نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام كان يحذر من الإفراط في الطعام، وأرشدنا إلى أفضله وأوقاته.. لندرك أن التوعية الغذائية هي أساس في ثقافتنا وحضارتنا وديننا وجب علينا أن ننميها، ونجعل منها شيئاً هاماً وأساسياً في حياتنا.