هناك أسر ساهمت وضحّت في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة في أطوارها الثلاثة؛ ومن هذه الأسر أسرة آل بتال التي كان لها قدم صدق وفداء وتفانٍ وتضحية في مراحل الدولة السعودية كلها، فكانت هذه الأسرة الكريمة خالصة الولاء صادقة المحبة؛ والدليل على ذلك ما قدمت من تضحيات خلال مسيرة البناء للدولة، خاصةً في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، حيث يذكر المؤرخ عبدالله بن خميس في موسوعته (تاريخ اليمامة) أنه سقط من آل بتال خمسة قتلى في معركة البكيرية وحدها، وهذا عدد ضخم بالنسبة لأسرة واحدة، ودليل قاطع على قمة الوفاء. من هذه الأسرة القيادي محمد بن عبدالله بن بتال - رحمه الله - ولعلنا نعرّف القراء به، وشيئا من تاريخ أسرته، يذكر الباحث محمد بن عبدالعزيز بن محمد البتال عن سيرة جدّه أنه من مواليد سنة 1333ه، فهو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن بتال، وهم من قدماء الأسر في العارض، واستقروا فيما بعد في الرياض، وهذه السنة 1333ه قتل فيها والده الفارس عبدالله بن بتال - رحمه الله - في مهمة كلفه بها الملك عبدالعزيز نحو الأحساء، وهو كذلك أحد أفراد هذه الأسرة - ذات الفداء - من جاد بنفسه، وكانت زوجة القيادي عبدالله بن بتال حاملاً بالقيادي محمد، فأنجبته، حيث لم يشاهد أباه، وحرصت أمه وعمته على العناية به والحرص على حياته، وحفظ الله عز وجل هذا المولود وسمى بمحمد وتربى ونشأ على مكارم الأخلاق والرجولة والشهامة، ولا شك أنه سمع أحاديث وحكايات ومواقف أسرته آل بتال ونضالهم وكفاحهم مع الدولة السعودية الأولى والثانية ثم مع الملك عبدالعزيز، وبالأخص والده الفارس عبدالله بن بتال. دروس وخبرات يروي محمد بن عبدالعزيز البتال أن والدة عبدالله بن بتال - رحمه الله - لم تصدّق خبر موته؛ لأنها تخبر شجاعته وإقدامه وكان حين مقتله شاباً، وكان المقترح أن يسمى عبدالله على الابن الذكر - وهذه عادة كانت عند بعض أهالي نجد - أنه إذا مات الوالد قبل ولادة ابنه أطلق عليه اسم والده، ويذكر الباحث محمد البتال عن الأجواء التي نشأ فيها جده القيادي محمد بن بتال حيث يذكر أن خالته سافرت به إلى القصيم، حيث كانت زوجة للفارس القيادي فهد بن معمر - وقد عيّنه الملك عبدالعزيز أميراً على القصيم - فتربى في بيت هذا الفارس والبيئة لها دور أساسي وبنيوي في النشأة، فالفارس القيادي فهد بن معمر علم من أعلام الوطن بل هو أحد الشجعان البواسل الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز في فتح الرياض، وبعد مقتله العام 1339ه يروي الأستاذ محمد البتال قائلاً: «وبعد مقتل أمير القصيم فهد بن معمر أمر الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي للتوجه إلى القصيم واستلام الإمارة، وكذلك الزواج من زوجة القيادي فهد بن معمر، وذلك لما يبديه من اهتمام خاص لأسرة آل بتال»، وهكذا تربى القيادي محمد بن بتال في بيت الأمير عبدالعزيز بن جلوي - رحمه الله - فنشأ في هذا البيت الكريم واعتنى الأمير عبدالعزيز به، حيث أصبح أميراً على حائل، وهكذا كان القيادي محمد بن بتال يتلقى من الأمير الكثير من الدروس والخبرات والتجارب خلال سيرته وكفاحه ونضاله مع الملك عبدالعزيز، وكذا تعلّم منه كيفية إدارة الإمارة، فضلاً عن مجالس الأمير عبدالعزيز بن جلوي والاستماع إلى حديثه في مجالسه مع الناس، وكانت المجالس في ذاك الزمن حافلة وذاخرة ولها مكانتها، ومنها يتعلم الشباب أخبار وعلوم الناس، وكما قيل المجالس مدارس، والقيادي محمد بن بتال - ذاك الشاب - قد سمع الكثير ووعى الأكثر من هذه المجالس، فليس هو مجلس عادي بل هو مجلس الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي وهو ليس غريباً بل من أهل بيت الأمير أمير المنطقة. مهام الإمارة وكان العام 1351ه هو البدايات والخطوات الأولى في الإدارة والقيادة، ففي هذا العام كلّف الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الشاب محمد بن بتال بمهام إمارة حائل، وكان عمره ثمانية عشر عاماً، وذلك أن الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي قد توجه إلى جازان لمهمة من الملك المؤسس، وهذه السن كانت في عصرها ليست صغيرة على مقياس زماننا بل هي كبيرة؛ لأنه من حينها ينشأ الصبي بعد مرحلة الطفولة وهو في جد، والحياة وأسلوب العيش قاسٍ، لذلك ينشأ الصبية نشأة جادة تؤهلهم سريعاً أن يتحملوا المسؤولية بوقت مبكر جداً والناس بزمانهم أشبه منه بآبائهم، كما قال أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. ويقول الباحث محمد بن عبدالعزيز البتال عن جده في نبذته: «أنه لما أراد الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي التوجه إلى جازان كان القيادي محمد بن بتال أول من كان يريد المشاركة في هذه المهمة، إلاّ أن أمر الملك عبدالعزيز جاءه بتكليفه بمهام إمارة حائل. ثقة وجدارة وبعد تجربة القيادي محمد بن بتال في حائل التي لا شك أنها أورثت له تجربة ليست سهلة عيّنه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - أميراً على منطقة القطيف وذلك العام 1354ه حتى العام 1355ه، وفي العام 1362ه عُيِّن أميراً على المجمعة - قاعدة سدير - وكانت تشمل هذه الإمارة منطقة سدير كلها بقراها وهجرها، وقد مكث أميراً على منطقة سدير ثلاث عشرة سنة، وهي أطول مدة قضاها في إمارة المناطق وبعدها نُقل أميراً على القصيم من العام 1375ه حتى العام 1378ه، وبعدها ُعيّن مسؤولاً عن جباية الزكاة، حيث صدر أمر في عهد الملك فيصل - رحمه الله - بهذا الأمر، ولكنه طلب إعفاءه من هذا التكليف الحساس - المقصود هو جباية الزكاة من البادية -، ولأن الأمر يتعلق بالزكاة ويتطلب من الجابي الأمانة والدقة والضبط كان من ورعه أن اعتذر عن هذه المهمة - رحمه الله -، وفي العام 1388ه صدر أمر بأن يكون أميراً على بيشة حتى العام 1393ه حيث تقاعد. شخصية وطنية ومحمد بن بتال - رحمه الله - ليس فقط قيادي يقوم بمهام لقيادة إمارة المناطق بل كان من الوجهاء والأعيان في مدينة الرياض، ومن شخصيات الوطن المعروفين، وله مكانة اجتماعية جيّدة وبالأخص في عهد الملك سعود - رحمه الله - ومن المقربين له، وهو معروف من لدن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حيث وثق فيه وكلفه بمهام إمارة حائل ثم بعد ذلك إمارات أخرى، وكذلك في عهد الملك فيصل - رحمه الله - حيث تولى إمارة بيشة، فهو شخصية معروفة عند القيادة العليا وبالذات أن أسرته وأجداده كان لهم مسيرة وسيرة تشرف مع الدولة السعودية الأولى والثانية ومع الملك المؤسس، فهو سليل أسرة ذات مجد وشرف، وهو وارث هذا الشرف والمجد وأثبت مهارته في القيادة في المناطق التي تم تكليفه بها - رحمه الله -. ومن جوانب حياة القيادي محمد بن بتال الأخرى أنه كان له اطلاع على الأدب والشعر وسير الشخصيات، وكذلك كتب الإدارة - كما يذكر هذا حفيده الأستاذ محمد البتال -، وقد توفي محمد بن بتال العام 1394ه في لندن بعد عملية جراحية في القلب وكان عمره واحدا وستين عاماً وخلف ذكراً طيباً، وقد أنجب عشرة ذكور وعددا من البنات وعلى رأسهم عبدالله بن محمد البتال وعبدالعزيز البتال. تاريخ مشرّف وأسرة آل بتال كان لهم نضال مع الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، فجد شخصيتنا محمد بن بتال؛ بتال بن محمد قيادي في عهد الإمام عبدالله بن سعود، وكان أمير جيوش الإمام عبدالله بن سعود في عمان -كما ذكر المؤرخ ابن بشر في تاريخه عندما ذكر القادة والأمراء والقضاة في عهد الإمام عبدالله بن سعود رحمه الله في حوادث سنة 1333ه -، وكذلك كان القيادي بتال بن محمد - جد شخصيتنا الثالث - رئيس جيوش عمان في عهد الإمام تركي بن عبدالله - كما وصفه المؤرخ ابن بشر في وقائع العام 1244ه - حيث كان مع الإمام تركي وأصيب الجيش بمرض ومن آثاره توفي بتال بن محمد ونرجو من الله له الشهادة، وجَد شخصيتنا الثاني القيادي عبدالله بن بتال بن محمد الذي كان في عهد الإمام فيصل بن تركي قائداً كبيراً، وكان معروفاً بالفروسية والشجاعة. هذه هي أسرة البتال التي كان لها صفحات مشرِّفة ومضيئة وساطعة في تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، أشكر الباحث محمد بن عبدالعزيز البتال على تزويدي بهذه النبذة عن جده وقد استفدت منها كثيراً واعتمدت عليها في كتابة هذا التقرير عن شخصيتنا القيادي محمد بن بتال، فله مني وافر الشكر والتقدير والمحبة.