عندما أنشئت رابطة العالم الإسلامي كان أول أمين لها هو محمد سرور الصبان -رحمه الله- حتى توفي العام 1392ه، ثم كان ثاني من تولى أمانة الرابطة لا يقل كفاءة وقدرة إدارية ومهنية عن الصبّان؛ ألا وهو محمد صالح القزاز -رحمه الله-، وهو لم يكن غريباً على هذه الرابطة بل كان منذ إنشائها العام 1381ه وكيلا للأمين، ثم أصبح نائباً للأمين، فكانت هذه المرحلة من العام 1381ه حتى العام 1392ه كفيلة لأن تؤهله أن يُنتخب أميناً لرابطة العالم الإسلامي، وصدرت الموافقة من الملك فيصل -رحمه الله-، وكان اختياراً موفقاً من قبل الذين انتخبوه من أعضاء المجلس التأسيسي، ورغم مرحلته القصيرة في الرابطة إلاّ أنه استطاع أن ينجز أعمالاً مشهودة وجليلة، وفي هذه الكلمات لعلنا نلقي الضوء على حياته من خلال الرابطة وما قبل الرابطة. ولد محمد صالح القزاز في العام 1321ه بمكةالمكرمة وتعلّم ودرس في الحرم المكي، ويقول رحمه الله عن نفسه -كما ينقله المؤرخ محمد عمر رفيع في كتابه "مكة في القرن الرابع عشر"-: "حفظت القرآن على الشيخ سعد الله الهندي، ودرست شيئاً من العلوم على يد بعض علماء المسجد الحرام وأخيراً درست فتح الباري على صحيح البخاري لابن حجر على فضيلة أحمد النجار، وعلى إثر اختتامه للكتاب أُجيز تدريسه..."، ثم يواصل متحدثاً عن رحلته في العلم قائلاً: "فدرست -أي فتح الباري- مدة وجيزة أثناء إقامتي بالطائف..." كتاب (مكة في القرن الرابع عشر). أعماله الإدارية ولم يستمر محمد صالح القزاز في التدريس بل انخرط في سلك الحياة الوظيفية وهو يوضِّح هذه المرحلة يقول: «ولكنني كما تعلم انصرفت للاشتغال ببعض الوظائف الحكومية والإدارية فشغلتني عن الاستمرار في الدرس»، وقد عمل الشيخ القزاز في عدة وظائف حكومية؛ فقد عُيّن مديرا عاما بالمالية في الطائف، ثم مديرا لمالية مكة، ثم مديرا عاما مساعداً لأول إدارة للحج العام 1365ه، ثم انتقل بعد ذلك مديرا عاما للزراعة، وبعد هذه الوظائف الحكومية الرسمية عرفت كفاءته الإدارية وأمانته وإتقانه للعمل الإداري وتفانيه، وقد منحته القيادة العليا رتبة وزير مفوض -كما يذكر الباحث محمد خير رمضان في ترجمته للقزاز، في كتابه (تتمة الأعلام).. المجلد الثاني-، وهي شهادة من القيادة العليا للشيخ محمد القزاز، ووسام شرف كبير تقديراً لأعماله في الحكومة. ولثقة القيادة العليا وحسن ظنها بالشيخ محمد القزاز انتدبته ليكون مديراً لمكتب عمارة المسجد النبوي الشريف إبان عمارته الجديدة في السبعينات الهجري في عهد الملك سعود -رحمه الله- ثم بعدها انتدب كذلك مديراً لمكتب عمارة المسجد الحرام، وهكذا تتوالي مهام الشيخ محمد القزاز في الدولة مؤدياً ما يجب عليه نحو دينه وقيادته ووطنه باذلاً كل ما في طاقته ووسعه في أداء هذه المهام الحكومية. أهداف الرابطة وأُنشئت رابطة العالم الإسلامي العام 1381ه في عهد الملك سعود وكان أول أمين لها الأديب الشهير محمد سرور الصبان -رحمه الله- وهو شخصية رجل دولة، وقد تولى قبل هذا المنصب وزارة المالية واستمر أميناً لهذه الرابطة حتى وفاته 1392ه -رحمه الله-. وكان محمد القزاز تحت إدارة الشيخ محمد الصبّان -كما ذكرت- خلال 11 عاماً، ومن جهة أخرى فإن رابطة العالم الإسلامي أُنشئت لتحقيق هذه الأهداف: تبليغ رسالة الإسلام ونشرها في جميع أنحاء العالم، شرح مبادئ الإسلام وتعاليمه، دحض المفتريات والشبهات عن الإسلام، دعم التضامن الإسلامي، خدمة قضايا العالم الإسلامي. عدة هيئات ويتبع رابطة العالم الإسلامي عدة هيئات منها: المجمع الفقهي الإسلامي؛ وهو عبارة عن هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة داخل إطار رابطة العالم الإسلامي مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها؛ وتتلخص أهداف المجمع في دراسة ما يستجد من قضايا في العالم مما يحتاج إلى نظر العلماء سواء كان ذلك داخل البلدان الإسلامية أو في البلدان غير الإسلامية التي تعيش فيها أقليات مسلمة من إجابات شرعية على النوازل والقضايا الجديدة فيكون المجلس الفقهي من 24 عضواً بما فيهم الرئيس ونائبه، ويتبع للرابطة أيضاً الهيئة العالمية للكتاب والسنة؛ وهي هيئة منبثقة من رابطة العالم الإسلامي، عالمية الأداء ذات شخصية اعتبارية مستقلة تقوم بخدمة القرآن الكريم وتعميم تحفيظه وتجويد أدائه وتسعى لإظهار أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة والعمل على نشرها في العالم والتعريف برسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم وسنته وتصرفه وتصحيح المغالطات التي تستهدفه، أُنشئت بقرار المجلس الأعلى للرابطة في دورته السادسة والثلاثين المعقودة في مكةالمكرمة بتاريخ 4-6 شعبان 1421ه. نخبة مميزة ويتبع لرابطة العالم الإسلامي كذلك الهيئة العالمية لعلماء المسلمين؛ هي إحدى هيئات رابطة العالم الإسلامي ذات شخصية اعتبارية مستقلة نشأت تنفيذاً لقرار المؤتمر الإسلامي العام الرابع الذي عُقد في مكةالمكرمة العام 1423ه، تضم الهيئة نخبة مميزة من علماء المسلمين في مختلف البلاد تعمل على توحيد كلمة علماء الأمة وتعزيز مكانتهم وتحقيق أهدافها العليا وتوحيد جهود العلماء وتعزيز مكانتهم وتوثيق الصلة بينهم وجمع كلمة الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها وبناء الشراكات الاستراتيجية الفعّالة مع الشعوب والمنظمات الدولية، وإيجاد الحلول لمواجهة التحديات المعاصرة، والجدير بالذكر أن مؤتمر العالم الإسلامي أعلى هيئة تشريعية، ويتكون من مجموعة من كبار دعاة المؤتمر الإسلامي يجتمعون للنظر في القضايا الإسلامية الكبرى وتعمل على حل مشكلات المسلمين وتحقيق مصالحهم. وأما المجلس التأسيسي في رابطة العالم الإسلامي فهو السلطة العليا في الرابطة التي تعتمد كافة الخطط التي تتبناها الأمانة العامة للرابطة، ويتكون المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي من 60 عضواً يمثلون الشعوب والأقليات المسلمة ويُعيَّنون بقرار من المجلس، ويذكر أن الأمانة العامة للرابطة هي الجهاز التنفيذي للرابطة وتعمل على الإشراف المباشر على الأعمال والأنشطة ويتولى الأمين بمساعدة الأمناء وموظفي الرابطة ومنتسبيها تنفيذ الخطط الصادرة من المجلس الأعلى، هذه نبذة وسيرة للرابطة حبذت إيرادها لتعريف القراء عن هذه المؤسسة الإسلامية. ثاني أمين وبعد وفاة محمد الصبان -رحمه الله- تم انتخاب محمد القزاز ليكون خلفاً للصبان، وفعلاً أصبح أميناً لرابطة العالم الإسلامي، وهو ثاني أمين يتولى هذه المؤسسة الإسلامية، وقد كان وكيلاً للأمين قبل تعيينه أميناً ثم أصبح نائباً للأمين، ونظراً لخبراته السابقة الإدارية الأزلية بالعمل الحكومي وفق الله هذا الرجل المعطاء الصالح الزاهد أن يقود الأمانة العامة للرابطة الإسلامية قيادة حسنة وحكيمة ورزينة ومتقنة، فالرجل كما قرأت عنه مخلص لا يريد إلاّ الخير في كل عمل، حتى أنه لم يتقاضَ راتباً عندما كان مديراً لمكتب عمارة المسجد النبوي الشريف وعمارة المسجد الحرام، وكذلك عندما تعين أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي لم يتقاضَ راتباً -كما ينقل الباحث المعروف محمد خير رمضان في ترجمته للشيخ محمد القزاز- وهذا من زهده في الدنيا والعمل لأجل الله عز وجل، هكذا نحسبه والله حسيبه. جهود وإنجازات ومن أهم الإنجازات التي حققها الشيخ محمد القزاز في أمانة رابطة العالم الإسلامي عقد أول مؤتمر للمنظمات الإسلامية في العالم العام 1394ه في مكةالمكرمة، وهذا من جهوده رحمه الله، كذلك عقد أول مؤتمر لإحياء رسالة المسجد في شهر رمضان العام 1395ه بمكةالمكرمة شاركت فيه وفود تمثل مختلف المساجد في العالم، كما شاركت فيه وفود جمعيات ومنظمات إسلامية مميزة، ومن هذا المؤتمر انبثقت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمساجد، إضافةً إلى إنشاء مبنى الرابطة في منى ليكون مركزاً للنشاط الثقافي والديني يوم التروية وأيام التشريق في موسم كل حج، كما أسس مخيم الرابطة في عرفات، إلى جانب عقد أول دورة للأئمة والدعاة في نواكشوط ومنحه رئيس الجمهورية أعلى وسام تمنحه دولة لشخصية إسلامية، وتم وضع الأسس لمبنى الرابطة الجديدة في عهده، -من المجلد الثاني (تتمة الأعلام) للأستاذ محمد خير رمضان-. جهود وطاقات ويتحدث المؤرخ محمد عمر رفيع في كتابه (مكة في القرن الرابع عشر الهجري) عن مرحلة تولي محمد القزاز أمانة الرابطة قائلاً: «وما أن تولى زمام الأمور حتى حصلت انطلاقة كما كان عليه الحال وكشف فضيلته عن معدن وضاء فأوفد الوفود إلى كثير من بلدان العالم الإسلامي، وأخيراً مما سعى فيه إنشاء مرصد لتثبيت أوقات الأعياد الإسلامية لكثرة ما يقع فيها بين المسلمين من خلاف، ويكمل محمد رفيع عن الشيخ القزاز قائلاً: «إن بعض أعضاء المجلس التأسيسي يقول إن الشيخ محمد صالح القزاز كان كنزاً مخفياً، وكان رحمه الله ممن ينظم الشعر الفصيح، ففي كل مناسبة للرابطة كان ينظم قصيدة». وفي الختام فإن محمد القزاز قد أعطى الرابطة كل ما يملك من جهود وطاقات سافر من أجل النهوض بالرابطة وتأدية رسالتها، فهو من الرجال الخُلَّص الأمناء الأوفياء الذي جعل منصبه هذا تكليفا وأمانة رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى. توفي محمد القزاز في تاريخ 30 جمادى الأولى 1409ه ودُفن في مقابر المعلاة بعدما صُلِّي عليه صلاة الجنازة بالمسجد الحرام. محمد القزاز من الرجال الخُلَّص الأمناء رابطة العالم الإسلامي أُنشئت لتبليغ ونشر رسالة الإسلام توثيق الصلة بين المسلمين من مهام رابطة العالم الإسلامي محمد الصبان أول أمين عام لرابطة العالم الإسلامي محمد صالح القزاز -رحمه الله-