نائب أمير الشرقية يطلع على دراسة تطوير أقسام العزل الصحي بالمراكز الصحية    أمير القصيم يستقبل الوكلاء المعينين لمحافظات المنطقة المكلفين حديثاً    برنامج لتحسين إنتاجية القمح والشعير    المملكة وباكستان تبحثان توطيد التعاون    المملكة تنفذ مشاريع إنسانية ب61 مليون دولار    البرلمان العربي يدعو لتشكيل لجنة دولية للوقوف على الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين    الآسيوي يؤجل قمة العين والهلال    اتجاه لتأجيل كلاسيكو "الأهلي والهلال"    42 مزادًا لبيع 278 عقارًا في 11 منطقة    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يحضر حفل جائزة الملك فيصل العالمية    منتدى دولي لتطوير رحلة العمرة والزيارة    جامعة القصيم تصدر كتابًا عن سياسة المؤسس في استصلاح الرجال    بدء تسجيل الطلاب والطالبات المحتاجين في تكافل .. الأحد القادم    وزير الخارجية ووزير خارجية باكستان يرأسان اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين    أرقام مميزة للهلال قبل لقاء العين في دوري أبطال آسيا    أمير منطقة تبوك ينوه بالجهود والإمكانيات التي سخرتها القيادة الحكيمة لخدمة ضيوف الرحمن    موافقة سامية على تشكيل مجلس أمناء جامعة الملك عبدالعزيز    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والسيول في باكستان إلى 41 قتيلاً    للبلطجة عناوين أخرى حول ضربة إيران لإسرائيل    "القوات الجوية" تشارك بتمرين "علم الصحراء"    الدفاع المدني يقيم حفل معايدة بمناسبة عيد الفطر المبارك    الفرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    مدرب تشيلسي غاضب من لاعبيه بسبب شجار على تنفيذ ركلة جزاء    الأخضر تحت 23 يستهل حُلم "باريس" بمواجهة طاجيكستان    القيادة تعزي سلطان عُمان في ضحايا السيول    علاج جديد يعيد الأمل لمرضى السلّ    ارتفاع أسعار الذهب    استمرار التوقعات بهطول الأمطار مع انخفاض في درجات الحرارة ب3 مناطق    «رافد» تدعو أولياء الأمور للتسجيل في خدمة النقل المدرسي    المرور: لا حاجة للتسجيل لخفض قيمة المخالفات 50 %    سعود بن جلوي يستقبل منسوبي محافظة جدة    نائب أمير مكة المكرمة يستقبل منسوبي الإمارة    اقتصاد حائل يولد 28 مليار ريال في السياحة والتصنيع    بعد غياب.. شاكيرا تعود للجولات العالمية    أمير تبوك يستقبل وزير الحج والمهنئين بالعيد    «البنك الدولي»: %5.9 نمو اقتصاد السعودية في 2025    تركي آل الشيخ يعلن أسماء أبطال العالم المشاركين في بطولة العالم للملاكمة    كيف تصبح أكثر تركيزاً وإنتاجية في حياتك ؟    5 أكلات تريح القولون    ثلث النساء يعانين من صداع نصفي أثناء الدورة الشهرية    يتنكر بزي كيس قمامة لسرقة المنازل    ماذا بعد العيد ؟    تعزيز التبادل الثقافي واستلهام التجارب الناجحة.. انطلاق المهرجان السينمائي الخليجي    أحد الفنون الشعبية الأدائية الشهيرة.. «التعشير الحجازي».. عنوان للفرح في الأعياد    الكشف المبكر لسرطان الثدي    «ماسنجر» يتيح إرسال الصور بجودة عالية    مراحل الوعي    قوة الاقتصاد السعودي    25.187 ترخيصا للأجهزة السلكية الخاصة    المنطقة الشرقية تستضيف منتدى التكامل اللوجستي    أكثر من 380 ألف طالب وطالبة بتعليم جازان ينتظمون في 2,659 مدرسة    السلام.. واتس !    الوضع في منطقتنا.. خياران لا ثالث لهما    أزمة نقل ركاب الجوف.. !    لا تظلموا الهويش والمعيوف!    13 فكرة من آداب استخدام «الواتساب».. !    فهد بن سلطان ينوه بدعم القيادة لقطاع الحج والعمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية.. خزّان معرفي ومُمكِنات فلسفية مخبوءة
نشر في الرياض يوم 10 - 09 - 2020

إنّ الرواية كنز معرفي، وخزّان إبداع فكري لا ينضب متى تم استثماره بشكل جيد يسهم في تنبيض العمل الروائي، وبث الحياة في جسده بعيداً عن السكونية الرتيبة التي تحيل الرواية إلى محض (حدّوتة) وحكاية مفرغة..
كلما ازداد وعي الكاتب بقيمة الكتابة وأهميتها تضاعف لديه شأنها وباتت سطوة البياض مرعبة بالنسبة إليه حين يهم بمعاقرة الكتابة؛ فتجده يتلبّث ويستأني ويستجمع قواه وأفكاره حتى يتيقّن أنه شجاع بما يكفي لقطع رأس تردّده وحيرته ويقتنص ومضة فكره ويشرع في الكتابة؛ أيّاً كانت تلك الكتابة.
هذا التردّد مرجعه هو الوعي باشتراطات الكتابة والفن الكتابي عموماً؛ ذلك الفن الذي يستوجب من متعاطيه توافره على طبع يتهيّأ له الكاتب وأدوات لا غنى له عنها؛ وهو ما فطن إليه مبكّراً أفذاذ الكُتّاب والنُقّاد وَدَعُوا لالتماس تلك الأدوات وعدم التعجّل بالدفع بأعمال لا تصمد أمام الأيام ولا تلبث أن تموت ويلفظها القارئ الذي بات من الوعي والقدرة على تمحيص الجيد من الرديء، سيما مع هذا الانفتاح المعرفي وتوافر وسائل القراءة لأفذاذ الأعمال والكتابات العظيمة التي تعكس قيمة وعظمة كُتّابها. وقد أشار لهذه الرداءة الأديب الفذ أحمد حسن الزيات والذي يرى أنّ آفة الفن الكتابي أن يتعاطاه من لم يتهيّأ له بطبعه ولم يستعن عليه بأداته. ويرى أنّ أكثر المُزاولين اليوم لصناعة القلم يتطفّلون عليها؛ أغراهم بها رخص المداد وسهولة النشر وإغضاء النقد، فأقبلوا يتملّقون بها الشُّهرة، أو يزجّون بها الفراغ، أو يطلبون من ورائها العيش، وكُلّ جهازهم لها ثقافة ضحلة وقريحة مَحْلة ومُحاكاة رقيمة.
هذا كلام الزيات - وهو رأي لا يختلف كثيراً عن رأي أحد أفذاذ كُتّاب القصة والرواية على مستوى العالم - أنطوان تشيخوف؛ الذي برغم تفرّده واعتبار النقاد له بأنه "أبو القصة" في العالم؛ كان مسكوناً بهاجس وحساسية الفنان التي تجعله دائم الحذر من رعب الكتابة وأهميتها وضرورة عدم الاستخفاف بها أو بالقارئ فنجد له رؤى نقدية وتبصّرات مهمة وجديرة بالتأمّل في فن الكتابة؛ نحن بحاجة للتوقف عندها والإصغاء لها، فهو يكتب عن ضرورة التواضع والشغف بتقديم الأفضل فيقول: "لو قُدّر لي أن أعيش أربعين سنة أخرى فأقرأ وأقرأ وأقرأ، وأدرّب نفسي على إجادة الكتابة، أعني الكتابة الموجزة لطلعت عليكم بما يروعكم ويذهلكم، أما الآن فلست إلا قزمًا كالآخرين..".
هذا المقال - وإن كان معني بالكتابة عموماً - لكنه يميل أكثر للفن الروائي؛ باعتبار أن الرواية هي الميدان الأفسح والأرحب لاندفاع الشباب لتعاطيها؛ وهو حق مشروع للجميع لكن المقصود من يتعجّل وهو ما زال غض الإهاب الكتابي والمعرفي؛ ممن يتعامل معه بجسارة واستخفاف لافتين؛ وما استمرار هذا المدّ الروائي المتلاطم إلاّ تجسيد لهذا التساهل في كتابتها.
مؤخراً صدر كتاب أعتقد أن من الأهمية لكل شداة الحرف والمهجوسين بالفعل الكتابي والإبداعي الاطلاع عليه؛ وهو كتاب للناقدة والروائية والمترجمة الفذة لطفية الدليمي؛ الكتاب بعنوان: "إضاءة العتمة".. أفكار ورؤى. وهي كاتبة عراقية معاصرة مُهمّة بدأت الكتابة المنتظمة منذ بواكير سبعينات القرن العشرين ولها مساهمات متناثرة في صحف عراقية؛ تنامت مسيرتها بالدأب والمثابرة حتى انتهت إلى ما ينوف على الخمسين كتاباً في الرواية والقصة والمسرحية والمصنفات المعرفية العامة والترجمة فضلاً عن آلاف المقالات في الصحف العربية. الكتاب متعدد المحاور والأفكار لكن ما يهمنا هنا هو الشأن السردي وتحديداً الرواية؛ إذ لها تبصّرات نقدية مهمة جديرة بالوقوف عندها؛ من أهمها أنها و- كما تلمّسَتْ في قراءاتها للرواية – وعبر ترجماتها لحوارات كثيرة - ميلاً طاغياً للروائيين المعاصرين نحو جعْل الرواية نصّاً معرفياً بحدود ما يمكنهم توظيفه ويأنسون له، وتشير لطفية الدليمي بثقة إلى أننا سنلمس في روايات القرن الحادي والعشرين قبسات متزايدة من المعرفة العلمية والفلسفية والسايكولوجية والتأريخية تتواشج مع الصفات الخاصة لكل شخصية وتبرز اهتماماتها وأحلامها ونمط سلوكها، ويتفق هذا الأمر مع القناعة المتزايدة بأن الرواية الحديثة ستلعب في السنوات المقبلة دور (الحاضنة المعرفية) التي تزوّد الأجيال القادمة بقدر معقول من تلاوين المعرفة المتجددة للأجيال المسحورة بالعالم الرقمي. والخلاصة أن الرواية كنز معرفي وخزّان إبداع فكري لا ينضب متى تم استثماره بشكل جيد يسهم في تنبيض العمل الروائي وبث الحياة في جسده بعيداً عن السكونية الرتيبة التي تحيل الرواية إلى محض (حدّوتة) وحكاية مفرغة من كل الحمولات المعرفية والفلسفية التي تمنحها نسغ الحياة والخلود.
وأختم ببعض الفوائد والالتقاطات المدهشة التي تؤكد أهمية الرواية وممكناتها المخبوءة في صياغة الوعي والأفكار والتأثير والتغيير إذ تؤكد أنّ من فوائد الكتابة الروائية أنها قد تؤدّي إلى كبح التشويش الخارجي والضوضاء الصاخبة السائدة في مجتمعاتنا وتدفع الأشخاص نحو التركيز البالغ على سماع أصواتهم الداخلية الثرية المدفونة تحت غبار الإهمال والتجاهل، ويساعد هذا الأمر في تنشيط النواقل العصبية الدماغية التي تتحكّم في الكيمياء الدماغية المُكيِّفة للمزاج البشري وتقلباته وتدفع به نحو آفاق النشوة والإحساس الغامر بالسعادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.