في سنة 1877م يعود الخيابرة جريا على العادة إلى منازلهم من الحقول منتصف النهار ليحتموا بظل الشوارع ويأكلوا التمر في صُفّاتهم حسب وصف الرحالة الإنجليزي تشارلز داوتي (خليل) ثم يجلسون بعدها على مصطبات من الطين في الشوارع يشارك بعضهم بعضا في تزجية وقت فراغهم بألعاب يطلقون عليها البيّات وفي هذه التسلية يحمل الصغار بنادقهم الطويلة ويذهبون لصيد طيور النخيل فيما ينهمك الكبار في لعب البيّة بصفوفها السبعة في كل صف منها سبع حفر. أما النساء فيجلسن على سطوح منازلهن يقضبن جريد النخيل وهن يغنين أثناء العمل بأصوات جميلة. بعد غروب الشمس يخرج الشباب يتجولون في شوارع البلدة وهم ينفخون مزاميرهم وهي عبارة عن زوج من البوص. يتجمع هؤلاء الشباب في معظم الأمسيات عند ما يسمونه بصحن القرية أو الرحبة في انتظار حضور الطنبور الكبير الذي عادة ما تشب له النار من جريد النخيل حتى يتسنى لهم إضاءة المكان لأداء الرقصة الرئيسية - يتقدم الشباب الصغار إلى الأمام وهم يرفعون سيقانهم السمراء اللامعة ويضرب الشباب سيوفهم بشدة في غمدها ويروحون يديرون حدود سيوفهم من حول وجوههم السمراء. هؤلاء الشباب يتقدمون إلى الأمام لتدريب القدم المرفوعة ويضربون الأرض. ثم يلفوا أجسادهم ويعاودون ما يفعلون وهم يغنون هذه الرقصة باستعمال السيف قد تستمر ساعة أو ساعتين وفي مثل هذه الظروف يكون هناك متفرجون يشاهدون ذلك الذي يقوم به الشباب اللطيف من شباب القرية والذين يسارعون بالذهاب عند أول صوت للطنبور إلى صحن القرية تاركين وراءهم صفّات (غرف) أمهاتهم أو إلى رقصة البنات - وفي أحيان كثيرة وهو عائد إلى بيته قادما من منزل محمد النجومي وفي يده الشعلة التي هي عبارة عن جريدة مشتعلة من جريد النخيل كان يشاهد أولئك الشباب وهم يلعبون تلك اللعبة الحربية ومن يحملون مسدسات من أولئك الشباب يفتحون النار ثم يستلون سيوفهم القصيرة اللامعة ويصيحون صياحا عاليا ويجعلون تلك السيوف القصيرة تصطدم بالترس - كان يراهم جميعا وأسنانهم تلمع في ضوء النار، كان الشباب يرقصون تلك الرقصة في ليالي كثيرة في صحن القرية وكان الضوء الصادر عن الراكية التي يشبونها يتناهى إليهم من خلال النافذة ومعه النغمات العالية التي تصدر عن الطنبور والأصوات الغوغائية التي تصدر عن أولئك الشباب الأمر الذي يقلقهم كما يقول ولكنه كان المصدر الوحيد للتغيير والتسلية في خيبر، وهنا لم يكن أمان الحبشي المريض حسب قوله يقوى على احتواء غضبه قال أسقط الله عليهم غضبه.. إخص! عليهم من غير الخيابرة يقوى على تحمل هذه الضوضاء الوحشية؟ وفي عيد الأضحى يعزف الطنبور طوال النهار ويستمر الرقص خلال شوارع البلدة وفي الصحن أيضا وعند ما كان يعثر على رفيقه جالسا على المصاطب العامة قال له يا لهذا التأمل والتفكير العميق الذي أنت فيه؟ أليست لديك قدم خفيفة تمكنك من المشاركة في هذا الاحتفال.. حاول إسعاد نفسك أيها الرجل وأنت على قيد الحياة.. كان ذلك الحبشي المسكين يضحك للحظة ثم ينسى حزنه بعد ذلك ثم يرد عليه بعد ذلك وقد ارتسمت على وجهه نظرة تعبير الأسى والألم أنا غريب مثلك تماما. قال له النجومي عن بعض سكان الساحل إنهم أهل نزوات وهو يلومهم على استخدام المزامير لأن الصوت الصادر عنها إنما هو عمل دنيوي خطير على مسمعهم الديني ومع ذلك فإن الطنين الفظيع الذي يصدر عن الطنبور يروق لمسامعهم على نحو عجيب. فالطنبور هو الصوت الموسيقي (نغمات الأرغن) في الدين - والرعاة هم وأطفالهم البدو الرحل يعزفون باستخدام سيقان من العشب الأخضر أثناء فصل الربيع يطلقون عليها اسم الهوامة، كان الأخ الثالث الأصغر للدليل محمد النجومي والذي قتل قبل عامين في معركة غزو في أواخر أيام حياته التي ابتدئها بالطقوس الدينية الآسيوية الغربية التي ما يزال بعض الدراويش يمارسونها في بعض البلاد الإسلامية ولهم مدارسهم الخاصة كما في دمشق هؤلاء الدراويش يجرحون أنفسهم عندما يتملكهم الغضب أو الطرب في رقصات الطنبور خصوصا في حفلات الأعياد والمناسبات الدينية والتي تتقدم وتزداد حدة بصراخ المحتفلين وصياحهم عندما يشقون بطونهم ويغرسون الأسياخ في خدودهم والسكاكين في أجسادهم كل هذا كان يراه رأي العين يمارس أمامه ثم رآهم بعد ثلاثة أيام وقد تعافوا وعادت لهم صحتهم وحكى له النجومي ربما كان ذلك بفعل بعض الأدوية التي يستخدمونها. رقصة الطنبورة منظر عام لخيبر