أشهر كتاب أدبي قام على شعر الطرب هو (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني (284-369) اختار فيه أجمل مئة صوت مما رشحه المغنون للرشيد، دوّن فيه أشعار تلك الأصوات وألحانها، ولم يستطع أحد فك رموز تلك الألحان لنظفر بمكتبة موسيقية مدهشة، لكننا ظفرنا بالشعر المُغنّى وأكثره شعر غزل وحب وهذا أقرب للغناء والطرب.. تمتاز تلك الأشعار برقّة المعاني وقوّة العواطف وحلاوة الجرس مما يميل له المغني وتسيل معه الموسيقى ويسهل حفظه ويجمل ترديده. ترجم المؤلف لكل شاعر ورد له صوت، واسترسل ليرصد مختلف المظاهر الاجتماعية والثقافية في العصور السابقة وفي عصره0 وصف ابن خلدون كتاب الأغاني ب(ديوان العرب) وبأنه من صور الحضارة العربية من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي. قلت: ورغم كون (الأغاني) أشهر كتب الأدب وأكبرها تقريباً [25 مجلداً وأكثر من 7000 صفحة] إلا أن فيه كثيراً من المبالغات والأساطير من خيال مؤلفه الخصيب، ولا غرابة في ذلك لأنه كتاب أدب لا تاريخ، وتم تأليفه في العصر العباسي الذهبي الذي جمع كل لسان وأُمّة، واحتوى ثقافات العالم وآدابه، وترجم ألوف الكتب من شتى اللغات، وتمازجت فيه تقاليد الأمم والشعوب وقصصها وأساطيرها لتهضمها لغة العرب وحياتهم وتُخرجها بشكل جديد. في هذا العصر السريع قد ينسى الناس كتاب الأغاني وأمثاله من روائع التراث العربي وتظل محصورة في الكليات المتخصصة وبين أيدي عشاق الأدب الأصيل.