ما أن تُعلَن إصابة أحد أفراد المجتمع بفيروس كورونا المستجد - كوفيد 19 - إلاّ وتشرئبُّ أعناق الناس لتعرف من هو، لينظر له نظرةَ الشفقة مرة، أو نظرة من ارتكب جرماً في أخرى، فيما يجد شريحة كبيرة من المصابين أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ، إمّا أن يعلن عن إصابته فتنهال عليه الاتصالات التي لا تواسيه بقدر ما يبدو وكأنها تشيعه، والشريحة الأخرى يتوارى عن الأنظار في شعور يخالج البعض وكأن إصابته بالمرض تشكل وصمة عار، وبين هذا وذاك يؤكد الأطباء والاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون على أن الإصابة بكورونا لا تعدو كونها أعراضاً عادية تستوجب التعامل معها بكل أريحية وهدوء واستقرار نفسي، مؤكدين على أن الجانب النفسي يعد السلاح الأول لمجابهة كافة الأمراض مهما بلغت ضراوتها. وصمة المجتمع وذكّر د. علي الخرس - استشاري الطب النفسي العام والطب النفسي للأطفال والمراهقين بمستشفى المانع بالأحساء - بالتوجيهات ومنها لبس الكمامة، وغسل اليدين، والتباعد الاجتماعي، والبقاء في المنزل للوقاية من الإصابة بوباء كورونا، مضيفاً أن عدم الالتزام بهذه الإجراءات تعد مخالفة أو جريمة يعاقب عليها القانون، وعليه فإنه من البديهي أن يخطر على بال المصاب بهذا المرض أنه لم يلتزم بهذه التعليمات فينعكس في عقله الباطن أنه اقترف عيباً من الأفضل ستره وعدم الإفصاح عنه، وحيث إن الإجراءات تستوجب عزل المخالطين للمصاب، فجميعهم أيضاً يستشعرون أنهم مشتركون في نفس العيب الذي يجب ستره كي يتجنبوا وصمة المجتمع لهم بالأسرة الموبوءة التي يجب الحذر والفرار منها. نظرة شفقة واعتبر د. الخرس أن نظرة الشفقة التي قد يُنظر بها أحياناً إلى المرضى لها أخطار كثيرة، فقد تؤدي إلى تأخر الكثير ممن يشتبه بإصابتهم بمرض كورونا في طلب المساعدة والذهاب للمراكز الصحية، كما أن هذه النظرة تذكي عقدة الذنب لدى المصاب وذويه والتي قد تؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب النفسي، مبيناً أن الإصابة بمرض كورونا قد لا تعني التقصير في الالتزام بالإجراءات الاحترازية، ولكن حتى وإن كان السبب هو ذلك، فإن الوضع النفسي للمصاب وأسرته غير مناسب لتوجيه الملامة والنقد، بل بالعكس من ذلك، فهم بحاجة للدعم والتشجيع لرفع معنوياتهم وتعزيز صحتهم النفسية ما يساعد في شفائهم واستقرار حالتهم الصحية بشكل عام. مناعة فعّالة وأوضح د. أحمد اللويمي - أستاذ علم المناعة بكلية الطب البيطري بجامعة الملك فيصل سابقاً - أن أهم عناصر المناعة الخاصة التي تحتفظ بالذاكرة للمرض نفسه هما خليتا (ت و ب) اللمفاويتان، وتحفز (ب) الخلايا المناعية في الجسم، وتتأثر المناعة العامة بالإفراط في استخدام المطهرات والمنظفات، والراحة المفرطة، وقلة الحركة، مضيفاً أن التغذية وبالذات بالألياف والمعادن كالحديد والزنك والفيتامينات تعد مهمة لنشاط الخلايا، كما أنها ضمان لمناعة فعالة ونشطة وكل ما مكنا الجهاز المناعي من تعزيز قدراته تمكن الجهاز من الاستجابة النشطة والمبكرة والطبيعية بقوة واقتدار، مؤكداً على أن أجسامنا وهبها الله سبحانه وتعالى جهازاً مناعياً نشطاً يتمكن من التغلب على الفيروس في أولى مراحله، وينتج ذاكرة جيدة تمنع إعادة الإصابة كما أكدت ذلك الدراسات. خطأ كبير ولم يؤيد د. خالد بن سعود الحليبي - مدير جمعية التنمية الأسرية بالأحساء - الذين يعلنون إصابتهم بكورونا المستجد عبر تويتر أو وسائل التواصل الاجتماعي، داعياً هؤلاء إلى الصبر والاحتساب بدلاً من الإعلان، واصفاً الذين يخفون إصابتهم بكورونا ويستمرون في مخالطة الآخرين بأنهم يرتكبون خطأً كبيراً لكونهم يعيشون حياتهم بصورة طبيعية ويقومون بمخالطة الناس وكأنهم غير مصابين مما يتسبب في إصابة الآخرين، ذاكراً قاعدة: "يمكنك أن تخفي إصابتك عبر اختفائك عن المجتمع"، فالمصاب ليس ملزماً بأن يخبر الناس كلهم بأنه قد أصيب، لكنه ملزم شرعاً وعرفاً وصحياً وأخلاقياً بألاّ يخالط الناس لحماية الناس، مُشيداً بالحرص والاهتمام من قبل وزارة الصحة والمتابعة الفردية اليومية رغم وجود آلاف المصابين، كاشفاً عن إصابة بعض الأشخاص بحالة اضطراب نفسي في حال إصابتهم بأمراض معدية عبر محاولة تعمدهم إيذاء الآخرين ومحاولة نقل العدوى لهم. تفاءلوا واطمئنوا وطمأن د. الحليبي المجتمع قائلاً: هذا الوباء ليس الأول الذي تصاب به البشرية، وكل الوباءات قد انتهت - بفضل الله - ومنها هذا الفيروس سينتهي - بإذن الله -، داعياً المجتمع إلى التفاؤل، موجهاً نصيحته إلى المصابين أن الإصابة بهذا المرض لا تشير إلى خطيئة، فلا داعي للإحساس بأي شعور سلبي، مشدداً على أن الصحة الجسدية مرتبطة بالصحة النفسية، والمناعة النفسية تأتي من الطمأنينة والراحة، مبيناً أن الدراسات تشير إلى أن المشكلات النفسية في الأسرة والحسد وملء القلب من أبرز أسباب الشقاء والتي تؤدي إلى ضعف المناعة الجسدية، لافتاً إلى أن كثيراً من الأمراض المنتشرة في وقتنا الحالي هي أمراض نفس بدنية جراء الضغوط النفسية. دعم معنوي وقال أنور المقيرن - مدير العلاقات والتواصل والتوعية الصحية في مركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض وجراحة القلب بالأحساء -: إن وزارة الصحة ومعها وزارات أخرى بذلت جهوداً مميزة للتعامل مع هذه الأزمة الصحية عبر تنفيذ برامج وقائية ورفع مستوى الوعي للتعريف بخطر هذا الفيروس والحد من انتشاره، إلاّ أن ذلك كله لم يمنع شريحة أصيبت بالفيروس من إخفاء خبر إصابتها والتكتم عليه لأسباب شخصية وأخرى متعلقة بالمحيط الاجتماعي واحتمالية نفور المجتمع من حولهم، في الوقت الذي قد يكون المصاب في أمسّ الحاجة للدعم المعنوي النفسي وخاصة للحالات التي لم يستدع وضعها التنويم والاكتفاء بالحجر المنزلي، فيما شريحة أخرى رفضت بشدة إجراء الفحوصات للتأكد من خلوها وسلامته من الإصابة بالعدوى خاصةً إذا كانوا من المخالطين بحجة عدم ظهور أي أعراض عليهم، وهذه الفئة هم أشد خطورة لكونهم قد يساهمون بغير قصد في انتشار العدوى، مُشدداً على أهمية تقبل الإصابة بكورونا وأن الجميع ليس بمعزل من الإصابة بالعدوى، وعلى الجميع أن يدرك أنه ليس وصمة عار، مذكراً أن مجتمعنا مؤمن بقضاء الله وقدره، ولا شك في أن جهود الجهات المعنية وبدعم مباشر من القيادة الرشيدة - أيدها الله - خففت من وطأة هذا الفيروس. هلع وخوف وعزا سعد التركي - باحث اجتماعي - إخفاء البعض إصابته بفيروس كورونا إلى الجهل بهذا المرض والهالة الإعلامية التي أصابت البعض بالهلع والخوف، وأن مآل هذه الإصابة إلى مجهول أو ربما إلى الموت، مبيناً أنه لا يمكن التخلص من هذا الهاجس إلاّ بالتعرف على المرض نفسه والوقاية منه عبر ما وفرته وزارة الصحة من الكثير من مقاطع الفيديو والتوجيهات الكثيرة والوافية التي وضعت الناس في معرفة دقيقة عن هذا المرض، وما يتوفر عنه من معلومات التي توصل لحالة الاطمئنان، مضيفاً أن التحصّن الجيد من البعدين الديني والنفسي مهم جداً لتجاوز مرحلة الإصابة بالفيروس، فمن لديه قوة وثقة بالله سبحانه وتعالى سيكون بعيداً - إن شاء الله - عن ضراوة هذا المرض، داعياً الجميع للتعامل مع هذا الفيروس كالإنفلونزا الموسمية وأن ممن تشافوا هم أكثرية ولله الحمد عبر اتباع الاحترازات، والعودة بحذر تعزز من مناعته النفسية والصحية، وأن كل شيء بأمر الله والأخذ بالأسباب، وأن هذه الأزمة ستنجلي - بعون الله - ثم بتعاون الجميع. د. علي الخرس د. أحمد اللويمي د. خالد الحليبي أنور المقيرن سعد التركي