يجب أن يكون التاريخ ملكاً لأطفالنا عن طريق الزيارات والرحلات لهذه المعالم التراثية والتاريخية التي تمثل نسيجاً حياً لنشاطنا ومسيرتنا الحضارية والاجتماعية.. بل إنني أطالب أن يكون في كل معلم من هذه المعالم شريط ناطق يحكي تاريخ المكان والزمان و"توقف" التاريخ في هذه الأماكن.. كثيرة هي المدن الموجودة على خريطة العالم؛ إلا أن قليلاً منها هو الذي صنع له موقعاً في التاريخ.. ومن هذه المدن احتلت مدينة الرياض مكانتها في التاريخ خصوصاً تاريخ هذه المنطقة من العالم. لقد كانت الرياض قرية لا تزيد مساحتها على ثلاثة كيلومترات مربعة، وكانت مبانيها داخل سورها المشهور وبواباتها العريقة أقل من هذه المساحة، إلا أن هذه القرية لم تكن كأي قرية.. لقد اختارها التاريخ لتكون محور أمجاد توحيد هذه البلاد على يد المغفور له الملك عبدالعزيز.. ومنذ دار حول الرياض الصراع بين قوى التوحيد المتمثلة في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة وقوى التفرق والوحدة والشتات.. منذ ذلك الوقت أصبحت الرياض على موعد مع التاريخ.. صحيح أن هذه المدينة تمتد في التاريخ إلى مئات السنين حيث كانت حاضرة وادي حنيفة ومنطقة اليمامة إلا أنها أخذت مكانتها على يد الموحد الملك عبدالعزيز.. ولم تكن "الرياض" بحدودها داخل السور التاريخي هي مجال التاريخ وإنما امتد التاريخ إلى أماكن كانت قريبة منها في ذلك الوقت ولكنها الآن أصبحت جزءاً من هذه العاصمة العالمية.. مناطق كانت متنزهات أو مصحات أو مواقع ومعالم أثرية.. كانت مكاناً يذهب إليه الملك عبدالعزيز وأبناؤه وكذلك أسر الرياض.. هذه الأماكن أصبح لها عبقها الذي يأخذ رائحته الطيبة ولونه من التاريخ وبعد أن تحولت الرياض إلى عاصمة عصرية تمثل معرضاً جمالياً بمبانيها وشوارعها وحدائقها وجامعاتها ومدارسها ومستشفياتها ومعالمها الفريدة وأنفاقها وجسورها بعد ما أصبحت الرياض "معشوقة" الملك سلمان بن عبدالعزيز على هذه الصورة كتحفة فنية صاغها صانع ماهر لم تنس الرياض ذكرياتها ولم تنس تاريخها بل أصبحت تحرص على هذا التاريخ كجزء من تراثنا وحضارتنا. في هذه الوقفة عن الرياض لعلي أذكر هنا بغار المعذر الذي يعد معلماً تاريخياً كان له الكثير من السجلات والذكريات في تاريخنا. ويحق لنا أن نتذكر هذه الذكريات العطرة عن غار المعذر الذي كان مكاناً للاجتماعات والندوات وكان مركزاً علمياً في الدولة السعودية الأولى. كما كان متنزهاً للملك عبدالعزيز ومنتجعاً لأهالي الرياض، ولعلنا نتوقف أمام هذه المعلومات التاريخية التي لا يعرفها الكثيرون.. من هنا ونحن في قلب هذه الذكريات يتحتم علينا أن نسجلها وأن نعلمها لأجيالنا.. يجب أن نتعرف بدقة على بصمات التاريخ الحافلة هنا وهناك.. يجب أن يكون التاريخ ملكاً لأطفالنا عن طريق الزيارات والرحلات لهذه المعالم التراثية والتاريخية التي تمثل نسيجاً حياً لنشاطنا ومسيرتنا الحضارية والاجتماعية.. بل إنني أطالب أن يكون في كل معلم من هذه المعالم شريط ناطق يحكي تاريخ المكان والزمان و"توقف" التاريخ في هذه الأماكن.. إننا نريد نفس الصياغة التي صاغها الرمز الملك سلمان - حفظه الله - الذي وقف منذ المراحل الأولى على الشكل العام لمدينة الرياض، فقد كانت دائماً كلماته تحمل التوثيق والجاذبية وهو يتحدث عن عبق التاريخ. وكان رائعاً عندما مزج الماضي بالحاضر. هذا المرفق - غار المعذر - يشكل بالنسبة لأهالي الرياض في الزمن القديم معلماً من معالمه ومكاناً مشهوراً يرتادونه.. وكيف أنه - الملك سلمان - كان يتردد مع والده وإخوانه على هذا المكان مرات عديدة، بعضها للاحتفال بختم القرآن الكريم وبعضها للاحتفال بمناسبات أخرى بحضور الملك عبدالعزيز، وها هو التاريخ يعيد نفسه ويصبح هذا المكان نفسه متنزهاً لا يفصله عن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث سوى بضعة مترات، حيث تجرى أدق العمليات الجراحية وتلقى محاضرات علمية في واحد من الصروح الشامخة في بلادنا.. الرياض القديمة المحدودة. لا يوجد بها إسفلت ولا مبانٍ شامخة.. اليوم الرياض مبانٍ شامخة وبيوت وصروح لا مثيل لها. إن "غار المعذر" إذا كان قد تحول الآن إلى تحفة رائعة.. فإن إعادة الترميم على هذا النحو يمثل إحياء لذكرى الملك عبدالعزيز؛ فهي تضم داخلها - الحديقة - الغارين الطبيعيين اللذين استخدمهما الملك عبدالعزيز. كما أن إعادة ذكرى النشاط الاجتماعي لهذا المكان، حيث كان معلماً بارزاً لإقامة الاحتفالات الشعبية في الأفراح والأعياد وحفلات ختم القرآن "الزفة"، هي أيضاً إعادة ذكرى اجتماعية طيبة. إن هذه المعلومات التاريخية والاجتماعية جديرة أن توثق جانباً مهماً من حياتنا. وهذا المكان الذي اتخذه أهالي الرياض قديماً كمنتجع صحي، حيث كان الاعتقاد السائد أن بعض الأشخاص المصابين بالأمراض يتأخر شفاؤهم عندما يتعرضون لشم العطور أو الروائح النافذة الأخرى، لذلك يلجأ أهل المريض إلى نقله بعيداً عن المدينة وبخاصة إلى الأمكان مثل "غار المعذر" لقضاء فترة تمريضه.. ولعلها من المصادفات الكريمة والطيبة أن تتحول أرض هذا الغار اليوم إلى أكبر مستشفى تخصصي وأكبر مركز للأبحاث في السعودية.. وهو المركز الذي يأخذ جواره لهذا الغار وهو نفس المكان الذي كانت تمارس فيه عدد من أساليب الطب القديمة. إن المفردات الحضارية لهذا المجتمع السعودي عميقة عمق تراثنا، طويلة بطول تاريخنا وحضارتنا.. ويجب أن تتم صياغة هذه المفردات وإعلانها ونشرها في أوساط الأجيال الحاضرة والمستقبلية.