من توعير الله لطرق الفضيحة أن جعل الشهادة على وقوع العظيم منها متعسرة إلى حدّ كبير لمنعها والترغيب في سترها، ففي كبيرة الزنا مثلًا رغب الشهود في "عدم تقصد وتتبع الفاعل والفاعلة" فإنهما أيضًا مدعوان إلى التوبة والستر ومنعهما من المجاهرة وفضح نفسيهما.. لا يجهل العقلاء مقصد الشريعة في حفظ الأعراض، فحفظها من ضرورات الإسلام الخمس، والعرض هو موضع "المدح والذم في الإنسان" وقد حرص الإسلام على أن يكون عرض المسلم مصونًا عن القدح فيه ووضع في طريق تتبع عثراته الزواجر والقوارع التي تعظم حماه وتقف عندها الألسنة والعيون والآذان ممسكة شرّها عن الخوض في هذه الحدود المصونة، وحيث إن الإنسان بطبيعته لا بد أن يقع في الخطأ، ولا يسلم من ذلك أحد إلا من عصم الله، جاء التعميم بذلك توضيحًا للحال من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم «كل بني آدم خطّاء». ولا يفهم أحمق فضلاً عن العاقل أن هذا معناه "فتتبعوا عثراته" أو "فاكشفوا ستر الأخطاء ليتفاداها الآخرون" هذا هو الممنوع وبشدة، بل قال «وخير الخطائين التوابون» ففتح للمخطئ بابًا واسعًا لا يكلفه جهدًا ولا مالاً لإصلاح خطئه وسد ثغرة فتحت للقدح في عرضه! ومنعت الشريعة ذكر شخصه لمعالجة الخطأ، وعددت المواعظ لمعالجة تلك الأخطاء بعيدًا عن إلصاقها بالآخرين عن طريق التنفير منها لأن فلانًا وفلانًا يفعلونها, فيكون التنفير هنا حصل من الشخص لأنه ارتكب الخطأ، فيهون هذا المتكلم فيه في أعين الآخرين، فتصير أفعاله كلها موضع ذمّ، ويصبح الخطأ في نظر المخطئ نفسه هينًا لا يحتاج للإصلاح بل سيرى من تكلم الآخرين فيه سببًا للعناد والإصرار عليه ليغيظ حاسديه وناقديه، ففي تصوره المسبق أنه إنما يتكلم فيه خصومه، وليسوا بناصحين. وفي التنزيل (يا أيها اللذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنّ...) وهذا هو السور الأول والحاجز الوعظي الذي يكسب النفس صفة النظر للآخرين بعين البراءة الأصلية، ويرفع حسن الظن صاحبه منزلة القلب الخالي من الكراهية والحقد وازدراء الآخرين، فيعيش حياة مطمئنة خالية من هم وغم إساءة الظنون، (ولا تجسسوا) وهو حاجز يأتي بعد أن يحاول إبليس إغواء النفس لتعدي حاجز حسن الظن، فكأن الله يقول للمسلم لا تتمادَ في سوء ظنك وتطيع جوارحُك نفسَك فكف أذنك وعينك عن التجسس لإثبات ما ظننته. وفي الحديث «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله...» وهذا رادع وزاجر ومفصح عن حقيقة تغيب عن ذهن سيئ الظن ومتتبع العورات، الباحث عن العثرات، وهي أن فيه ما هو أعظم مما يريد انتهاكه وفضحه وأن الله سيعقابه عاجلاً بنفس خطئه (ولا يظلم ربك أحداً) فهناك أيضًا من هو مثله في المجتمع يسيئ الظن ويتتبع العورات ولكن الله يصرفه عنه طالما هو مصروف عن فعله هذا ولكن ما إن أطاع نفسه وإبليس وتتبع عورة أخيه فسيخلي الله بينه وبين أمثاله فيكون الجزاء من جنس العقاب: إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى وذنبك مغفور وعرضك صينُ فلا ينطلق منك اللسان بسوءة فللناس سوآتٌ وللناس ألسنُ وعينك أن أهدت إليك معايباً فغمض وقل يا عين للناس أعينُ ومن توعير الله لطرق الفضيحة أن جعل الشهادة على وقوع العظيم منها متعسرة إلى حدّ كبير لمنعها والترغيب في سترها، ففي كبيرة الزنا مثلًا رغب الشهود في "عدم تقصد وتتبع الفاعل والفاعلة" فإنهما أيضًا مدعوان إلى التوبة والستر ومنعهما من المجاهرة وفضح نفسيهما، فإن عثر على تناقض في الشهادة واختلافها بما يوحي هشاشة القذف والشهادة كان الحد في ظهر القاف والشهود زجرًا وردعًا لمثلهم أن يأتي بما أتوا، ثم بعد ذلك تجد الشيطان حريصًا على أزّ كثير من الصالحين لتصوير إساءة الظن وتتبع العورات والكلام في الآخرين من قبيل النصيحة ومجاهدة الباطل، وتركوا سنة المصطفى صلى الله عليه وآله «ما بال أقوام...» دون فضح ولا غيبة ولا تتبع عورة، وبهذا تسلم المجتمعات من تحريم فعل المباح والتنعم بعفوية النفس في الحياة تخوفاً من أن يقال فعل وفعل. هذا، والله من وراء القصد.