أشرت في أكثر من مقال، إلى أنه من غير الممكن فهم ما يجري في العالم ما لم ننظر الى المرحلة التي نعيشها باعتبارها مرحلة انتقالية. فهذه المرحلة التي تمر على العالم في كل مئة عام مرة واحدة تعتبر من أخطر الفترات في التاريخ البشري. لأنها تسبق عادة الحروب بين الدول الكبرى. ففي عام 1914، عندما كانت الإمبراطورية البريطانية تتزعم العالم، تطلب الأمر حربين عالميتين- الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية لإزاحتها، ومجيء الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي بدلاً منها. وفي الأسبوع الماضي رفضت روسيا الانضمام إلى نادي الدول السبع، أو الإحدى عشرة، الذي اقترحه ترمب ليحل محل مجموعة السبع، بحيث يشمل كل من روسيا وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند. وهذا الرفض يعكس الموقف الروسي من العلاقات الدولية، وعدم استعداد موسكو دخول نادي لا يعكس التوازنات العالمية بصورة دقيقة. فروسيا ترى أن أي تكتل لا يضم الصين ليس له ثقل- فما الذي تغير في الموقف الروسي منذ انضمامها إلى مجموعة الثماني عام 1998، عندما لم تسأل وقتها عن الصين؟ بالفعل، فإن العالم في عام 2020 لا يشبه العالم عام 1998. حينها لم تكن المرحلة الانتقالية قد جاءت. فالعالم آنذاك كان يعيش نظام الأحادية القطبية التي لا ينازع أحد فيه الولاياتالمتحدة على الزعامة. ولكن منذ أزمة الرهن العقاري عام 2008، جرت مياه كثيرة، وأصبح الاقتصاد الصيني، وسط الاقتصاد العالمي المأزوم، هو القاطرة التي تجر، بوتائر عالية، بقية عربات الاقتصاد العالمي. إذاً، فعام 2008، يمكن اعتباره بداية تشكل المرحلة الانتقالية، التي بدأت معالمها تتضح في الأعوام التالية- عندما أخذ الاقتصاد الصيني يتقدم على الاقتصاد الألماني والياباني ويحل محلهما كثاني أكبر اقتصاد في العالم. ولذا اشتد التنافس بين واشنطن وبكين- خاصة وأن وتائر نمو الاقتصاد الصيني تؤهله لأن يصبح الاقتصاد الأول في العالم خلال الفترة القادمة. ولذلك، فإن الصراع بين المركز الأول والثاني، ممكن أن يتطور من صدام تجاري- مالي، الى صدام مسلح- وأنا لا أقصد هنا التوترات الأخيرة في بحر الصين الجنوبي. إذاً فليس روسيا هي التي وحدها في حيرة من أمرها، وإنما كافة بلدان العالم أمام خيارات اقتصادية وسياسية صعبة. وبلدنا، الذي يعتبر قوة نفطية وإقليمية عظمى، هو احدى تلك البلدان- لأن الصراع في العالم يدور بين طرفين إحداهما هو حليفنا الاستراتيجي، والآخر هو شريكنا الاستراتيجي. فنحن نعيش المرحلة الانتقالية التي عاشها المؤسس عندما بدأ توحيد المملكة. ولذلك فإن التجربة الفذة للمغفور له سوف تلهمنا وتهدينا إلى الاتجاه الصحيح.
