تنساب الخواطر متدفقة يشدّ بعضها بوثاق بعض، تجاه تربيتنا الثقافية وقيمنا الإسلامية، انطلاقاً من أنّ المرء ينشأ على نمط حياة وطرائق معيشية معينة، ولكن غالباً ما يختار المرء توجهاً بعينه يكون ديدنه في مسيرته الحياتية، من هنا لا بد من فهم المفارقات في المواقف والسلوك، والتي عادة ما تواجه الإنسان في مراحل حياته؛ من الطفولة إلى مرحلة نضج الرجولة . هؤلاء الأفراد يختلفون عنك في نمط عيشهم، وهذا ميزة الحياة التي قوامها الاختلاف بين البشر. وبلا ريب أنّ جميعنا، أو أكثرنا، خاض عباب بعض التجارب المريرة أو المشرّفة الهنيئة مع «بعض الأصحاب» أو حتى الخصوم، لكنّ بعض هذه المواقف، وهي الغالبة، يجب التعامل معها بالتجاهل وعدم الاكتراث؛ لأنها لا تستحق الرد، بل تستدعي المثل المصري «كبّر دماغك»، في حين أنّ بعض تلك المواقف يتطلب المواجهة والمصارحة، بعيداً عن الانتقام الذي هو أبشع الأفعال التي يمكن أن يقوم بها المرء؛ لأنّ الانتقام أشدُّ الأسلحة عجزاً. كان لديّ صاحب، أو هكذا يدّعي، أتعبني بالغيبة والافتئات بالقول، ومع ذلك لم أتخذ بحقه أي إجراء، ولم أسعَ إلى مقاطعته، وإنما بذلت الجهد في محاولاتي المتكررة لتصويبه، إلا أنّ صاحبي، «ركب دماغه»؛ فهو يهوى المغامرات في القول ونقل الأخبار. ورغم إيقافه عدة مرات ومواجهته، إلا أنه كان يكتفي بالتفسيرات الواهية، ويشكرني شكرَ من لا يوافق أو يتّعظ. والحقيقة أنه كان يحيّرني بمفارقات مواقفه وسلوكه، وكنت، في غمرة ذلك كله، أتّبع معه المثل المعروف «أحسن إلى مَن أساء إليك»، فإن كان لدى المرء ذرة من العقلانية والتفكير السليم، فسوف يواجه نفسه مخطئاً أو مصيباً، أما إذا أمعن في هذه التصرفات واليوميات غير المقبولة، فيمكن وضع صحبته بين قوسين، يُرفعان وَفق مدى تغيره أو استجابته للنصح؛ لأنّ الوقوف عند تكرار المساءلة والعتاب أمر متعب، ويستنزف الطاقات، لذا على المرء أن تكون لديه الإرادة والحكمة؛ لطي هذه الصفحة من ذاكرة حياته. إننا نعيش، هذه الأيام، رؤية جديدة تستوجب البعد عن الماضي العتيق، لجهة تطوير رؤية الإنسان للحياة، وتعميق انطباعاته عنها، ورسم خطواته وتحركاته، وفقاً للنهج الجديد الذي ينشد الإعمار والبناء وخلق مجتمع نقيّ بقدر الإمكان. علينا أن نجاري الزمن ونسعى للارتقاء بكل مضامين سلوكنا وتصرفاتنا؛ بحيث تتسق مع التحوّلات التي تشهدها بلادنا والتي أصبحت أمراً واقعاً ينبغي احترامه والتعامل معه بواقعية وإيجابية. لقد حفظنا منذ الصغر مقولة الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب «استغنِ عمن شئت تكُنْ نظيره، واحتجْ إلى من شئت تكُنْ أسيره، وأحسِنْ إلى من شئت تكُنْ أميره»، فأحياناً الاستغناء والبعد قد يكونان الحل، فهذا منهج حياة متكرر، لا ظاهرة سرعان ما تتلاشى وتنحجب. ثمة بين صنوف البشر مَن يعبثون، ويرون الحياة بهذه الطريقة السمجة، ولا يحبون الخير حتى لأنفسهم، وبالتالي من الأسلم أن يكسب المرء راحة البال فيتجاهل كل ما ينفثونه من رذاذ سيئ. كن أنت صاحب المروءة والمزية الهادئة الرزينة، وكن قنديل ضوء في دياجير حياتهم وجهالتهم وعتمتهم، واعمل بالمثل الشعبي الجميل «كبّر دماغك»، وكفّ عن المثل المتعب «اركب دماغك»! * كاتب ودبلوماسي سابق