له تأثير كبير جدًا على واقع الإنسان سواء سلباً أو إيجاباً، ومن هذا ما يذكره الأطباء والمختصون هذه الأيام مثلًا في جائحة كورونا - رفع الله عنا هذا البلاء - ويشددون على التفكير الإيجابي وتأثيره على جسد صاحبه بزيادة في قوة المناعة وقدرة الجسم على مقاومة المرض.. حديث النفس هو الجزء الأكبر في حياة الإنسان، فقلّما تجد إنسانًا لا يحدث نفسه بأفكار إلا من كان فاقدًا عقله بنوم ونحوه، حتى المشغول المنهمك بعملٍ ما، تجد جل حديث نفسه عن تفاصيل عمله، وأسئلة نفسية يطرحها؛ ماذا لو كان كذا كيف سيكون كذا؟ وما بعد هذه الخطوة كيت وكيت، ومن هذه الأسئلة وما أكثرها! ولا تتوقف النفس عن الحديث عند كل سكون وحركة، وليس الحديث هنا عن حديث النفس العابر الذي ذكره نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فهذا الحديث هو حديث النفس العابر الذي يكون ردة فعل لموقف ما، ولكن سرعان ما يتناساه صاحبه ويعرض عنه فهذا تجاوز الله عنه، وهذا من حيث النظرة الفقهية في الحكم، وهو كذلك لا يؤثر على تصرفات الشخص وكلامه فهو كالسراب العابر، ويبقى الجانب الأكبر من حديث النفس والذي يتكلم فيه الأطباء النفسانيون والفلاسفة وغيرهم، وهي الأفكار الواردة على العقل والتي يناقشها الإنسان في نفسه دون أن تُرى أو تسمع، ولكن هو مجرد تدوين مسودات لمشروعات وأعمال وأفعال وأوهام وتوقعات، ومن هنا ارتقى كثير من الناس في إنجازاتهم وتحققت مشروعاتهم التي كانت مجرد فكرة!، ولكنها ليست حديث نفس عابراً، وإنما حديث مؤصل ومنسق وعزم وتكوين لمخطط حياة، تنجزه النفس بحديثها أولًا فتسير أعضاء الجسم وفقًا لهذا المخطط، وبعضهم يسميه برمجة العقل الباطن، والخلاصة سمّه ما شئت فالنتيجة هي نفسها. إذاً حديث النفس له تأثير كبير جدًا على واقع الإنسان سواء سلباً أو إيجاباً، ومن هذا ما يذكره الأطباء والمختصون هذه الأيام مثلًا في جائحة كورونا - رفع الله عنا هذا البلاء - ويشددون على التفكير الإيجابي وتأثيره على جسد صاحبه بزيادة في قوة المناعة وقدرة الجسم على مقاومة المرض، بعكس سلبي التفكير والمملوءة نفسه بالخوف والهلع، فهذا الخوف والهلع غير المنضبطين يهيئان الجسم لقبول المرض وينهكانه قبل وصوله، وبسبب ذلك قد تصيبه أمراض أخرى وتنهكه، ولا كورونا في سوحه ولم يقربه، وهنا ينصح الأطباء وعلماء النفس بكثرة حديث النفس عن قدرتها وقوتها وتوكلها على ربها، وأن لو قدر الله ومر بها البلاء فسيكون مجرد عبور خفيف لا أثر له، وحين يرد على النفس هذا الحديث والمعاني بقوة سيصبح التفكر فيها تأملاً في حقيقة. ومن هذا الباب والله أعلم شرع تكرار السبحلة والحمدلة والحوقلة وغيرها من الأذكار التي يتفاوت الناس في الأخذ والتزود منها، فإن التلفظ بالذكر وتكراره يؤثران على القلب إيجابًا، فالذاكرون الله أكثر الناس تعظيماً وحبّاً لله ولطاعته، وفي كلام القدماء "من أحب شيئاً أدام ذكره" وكأن إدامة الذكر هي تثبيت لذلك الحب، حتى تصير عادة لا يستطيع العبد مفارقتها في أصعب وأحلك الظروف، ولعل من ذلك ما يجب أن نغرسه في أبنائنا من مستقبل، ليس بالاعتماد فقط على الجانب النظري في التدريس بل لابد للمعلم والمربي والأب أن يصنع في نفس تلميذه أو ابنه شخصيته المستقبلية، وقد حذر الاختصاصيون من إسماع الطالب أو الطفل كلمات التوبيخ والتقريع وتكرارها في أذنه فإنه بذلك سيصور نفسه تلك الشخصية الموصوفة بتلك الكلمات، ولن يستطيع أن يهزم ما تكرر وتأسس في نفسيته، ورغبّوا في التشجيع وبناء الشخصية المستقبلية في الطفل بغرس الثقة والحكمة في نفسه، والاعتماد على قوة النفس فيكبر متقمصًا الشخصية التي صنعت فيه في صباه، وهذا هو عين ما نزلت به الآيات ووردت به الأحاديث من التفكير الإيجابي وحديث النفس بالخير والإيجابية. هذا، والله من وراء القصد.