للصحراء بصمتها الواضح على شخصية العربي، فهو من يُخضع سطوتها لقيادته، وبالتالي فهو يرى في نفسه سيد الصحراء، وهذا يسبغه أحيانًا بصفة التعالي على كل شيء، ويرى أنه أفضل من كل شيء، سواء كان من علية القوم أو من عامتهم.. قد لا نبالغ إن أردفنا البعد النفسي للشخصية العربية، قد امتزج بعناصر الطبيعة، فالعربي هو من تفرد بعشق النار والمطر، كما رصدناه في ثنيات كتاب الجزيرة العربية لكاتبة هذه السطور، من عادات وتقاليد ونشأة وتطور عبر العصور، فهو يبتهل ويمرح ويستبشر بهطول الأمطار رغم قسوة الطبيعة وما تحدثه السيول من كوارث، إلا أنه يربط بين رحمة الله ورضاه عليه بنزول المطر، وهذا بعد ظهور الدين الإسلامي، أما قبل الإسلام فهو يعتبر أن نزول المطر هو الحياة بالنسبة له ولدوابه ولمزروعاته، ويظهر ذلك في أشعارهم وأغاني الأطفال وألعابهم، وفي غير ذلك من الممارسات اليومية، فالبيئة الصحراوية لا ترضع أبناءها إلا بنزول المطر. وعلى نقيض من ذلك، النار، إلا أنه أيضًا يعشق النقيضين، يهوى النار ويأنس بها، ويستعين بها في طرد الجان والوحوش وفي التداوي وفي جلسات الأنس، وغير ذلك، فكانت الشخصية العربية هجينًا من هذا الثنائي.. من الماء والنار، وليس بين حين وآخر وإنما في اللحظة ذاتها، في لحظة واحدة هو حرب وسلام، ونار ومطر. وتتميز هذه الشخصية بالصوت المرتفع عند الخِطاب، وربما يرجع ذلك لاتساع الأفق، ولهذا المزيج بين النار والمطر، تراه دائمًا ذا انفعال حاد، وسريع رد الفعل، ويخاطب الناس من حوله بصوت مرتفع، حتى إن الجالس البعيد يسمع ما يدور في مجلس بعيد عن مجلسه. كما أنه فُطر على غريزة حب الانتصار، وهي غريزة إنسانية بشكل عام، إلا أنها تتجلى في هذه الشخصية بقوة. وقد رأينا ذلك في فصل الصيد، وفصل الألعاب الشعبية وفي قصائدهم المشبوبة بروح الانتصارات من كتاب الجزيرة العربية - للكاتبة سالفة الذكر - مهما كان الثمن، فهو لا يقبل الهزيمة. وللصحراء بصمتها الواضح على هذه الشخصية، فهو من يُخضع سطوتها لقيادته، وبالتالي فهو يرى في نفسه سيد الصحراء، وهذا يسبغه أحيانًا بصفة التعالي على كل شيء، ويرى أنه أفضل من كل شيء، سواء كان من علية القوم أو من عامتهم، ولذلك فهو يحتقر المهن الصناعية، ويصنِّف الصُّناع والمهنيين إلى أصناف يطلق عليها أسماء خاصة، فيصل الأمر ألا تتزاوج هذه الطبقات إلا بعضها من بعض، فالنسب أمر يتقصَّاه في زواجه وزواج أهله، ولذلك، ولهذا ترجع قلة المهن والصناعات والمهرة، فنتيجة تدني النظرة الاجتماعية للصانع والمهني، فالعربي يحتقر المهنة، وحينما يجمع الرجل قليلًا من المال يبدأ في إنشاء فصيل آخر يعملون لديه ويكون هو سيدهم، فالسيادة أمر مهم في عمق الشخصية العربية، كما أنه يمقت تعاطي الأجر ويحتقره، ويحب أن يكون هو من يدفع الأجور للآخرين. ونتيجة لما تفرضه طبيعة الصحراء فهو يحب المرح، ولا يميل إلى الحزن أو الكآبة، يبحث دائمًا عن السعادة والبسمة، رغم حبه للحديث عن الموت والأموات، ونتيجة لذلك التضاد في الشخصية، فهو يحب الجمل حتى يقربه من نفسه، وتنشأ بينه وبين الجمل علاقة حميمة ظهرت في فصل الحيوانات، وكيف أن الإبل تحن حنينًا شديدًا إذا ما فارقت صاحبها، وقد يصل الأمر إلى أنها لا تخضع لغيره إلا إذا اشتمت بعض ملابسه، ثم نجده يذبحها مع قدوم أول ضيف يفد إليه.. إنه يحب الطقوس والألعاب الشعبية الجماعية والمرح واللعب، وقد استجلى ذلك أيضًا في ألوان فنونه، وأزياء ملابسه، وفي مشغولاته اليدوية، فتزهو جميعها بالألوان المختلطة والزاهية الصريحة، وغير ذلك. والعربي لا يحبذ الأكل البارد، وإنما كل أكلاته ساخنة، وهو ما نتج عنه فصل الأطعمة، كما أنه يهوى المغامرة، فيتجه دائمًا لرحلات الصيد، فيصل الأمر إلى أن أحد الحكام يعفو عن المذنبين إذا ما عاد بفوز ثمين من رحلة صيد. ويستخدم الكر والفر، والغزوات، وخوض غمار الصحراء، فينتقل فيها كيفما اتجه جمله، يدق عماد خيمته، يروض الفهود والأسود لطاعته وللصيد ولشؤون كثيرة لما لشغفه بالانتصار، وبالتالي فهي شخصية مغامرة على أي حال. ومن خلال فصل الألعاب الشعبية، والطقوس اليومية، وارتجال الشعر نتبين أن لديه طلاقة لفظية ملحوظة وسرعة بديهة عجيبة! ومن مميزات هذه الشخصية أنها شديدة الغيرة في كل الأمور خاصة على الأنثى، لما لسطوة التقاليد على هذه الشخصية، كما أنه يغلب عليه طابع الحذر والترقب، وليس الخوف، وذلك يرجع إلى امتداد الأفق، فلا يستطيع أن يدرك ما وراء الأفق، وبالتالي يظل مترقبًا لما هو آت، فالأفق دائمًا يرسل له كل يوم جديد، فغلب على الشخصية هذا السلوك، دائم السؤال عن: ماذا بعد؟ كما أنه يعشق التميز؛ لأنه يبحث عن الفخر دائمًا، ويتضح ذلك في الأشعار والألعاب والسلوك اليومي، ولأن الطبيعة دائمة المفاجآت ذات أفق غامض، لا يظهر له إلا مرمى البصر منها، فهو يخشى كل ما هو مجهول، أما ما يدركه فلا يخاف منه مهما كان بطشه؛ لأنه جسور، وشجاع، ومقدام، وسريع ردة الفعل. ولذلك فهو دائمًا ما يحمل العصا، شديد الولع بالسلاح تأهبًا لأي مفاجأة تفاجئه كما في فصل الأسلحة من الكتاب سالف الذكر، كما أنه شديد الدهاء، إلا أن هذه الشخصية لا تخلو من المكر، ولكنها غير مخادعة، فهذه الشخصية مشبوبة العواطف متطرفة فيها. فالطبيعة والبيئة المتطرفة تركتا آثارًا لتطرف المشاعر في طباعها الشخصية.