كانت مدرسة العلوم الشرعية الابتدائية، أول مدرسة خاصة تقام، ليس لأبناء المدينةالمنورة فقط حق الالتحاق بها، ولكن من حق كافة المقيمين فيها إلحاق أبنائهم بها مجاناً! وهذه المدرسة كانت في بدايتها، تعلم طلابها بعض الحرف، إلى جانب القراءة والكتابة. هذه الطريقة كانت تعكس الرؤية الحضارية لأصحابها، عندما ربطوا العلم بالعلم، ومثلما كان منشئ مدرسة العلوم الشرعية "أحمد الفيض أبادي" هندياً، كان منشئ دار الأيتام أيضاً، هذه الدار كانت تقع خلف المسجد النبوي، وكانت تستقبل دون تمييز كافة الأيتام من المقيمين في المدينة، وكانت ترعاهم رعاية تامة، حتى يشتد عودهم، ويكونوا جاهزين لبداية حياة جديدة مستقلة، وقد كان الأستاذ محمد حسين زيان مدرساً فيها، وكان يفخر - رحمه الله - بلقب معلم الصبيان! هذا على المستوى العلمي، أما على المستوى الصحي، فقد كانت في منطقة السحيمي، شمال المسجد النبوي، الصحية الهندية، ومع هذه الصحية كان هناك العديد من الأطباء والطبيبات الهنود، يقدمون العلاج مجاناً لأبناء المدينة، وقد ترددت بي والدتي - رحمها الله - كثيراً على طبيبة هندية في منطقة الجنان، كانت تعالج في المنزل، وتقدم الدواء مجاناً، وكان أهل الخير في تلك البلاد يدعمون هؤلاء الخيريين مالياً ومعنوياً طوال إقامتهم في المدينة. وفي جدة مثلما هو في مكة، مدارس ومشافٍ، أبرزها المدرسة الصولتية، ومدارس الفلاح، وعديد من المشافي الخيرية. الحجاز فيه، ومنذ القدم خيرات كثيرة، فيه المياه والزراعة، وفيه أولاً الحرمان الشريفان. كانت الجزيرة العربية عزيزة وأبية على الدوام، ومثلما كانت تأخذ، كانت تعطي، ولنا فقط أن نراقب ما كان يخرج، من موانئ القنفذةوجدة وينبع، خلال القرون الثلاثة، الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، وما يدخل إليها. أما بعد دخول الحجاز فيما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية، وما شهدته من نهضة اقتصادية واجتماعية وعلمية وعمرانية، فقد مدت يدها ومازالت لكافة الدول العربية دون استثناء، فدعمت في تلك الدول الصحة والتعليم والطرق والمياه والعمران، كان دعماً للبناء والتعمير، ولم يفكر أحد من أبناء هذه الأرض المباركة، بتصوير فاتورة بائسة أو خطاب لطلب أو تقديم العون لسكان الحجاز، في تلك الأيام المالحة علينا وعليهم، أما شمال الجزيرة وشرقها وربما جنوبها فلم تكن تعنيهم في تلك الأيام، حيث كان القحط والجهل والجوع والمرض فاشياً، لأنه لا ثواب رباني يأتيهم من تلك المناطق، كما يظنون - والعياذ بالله - ولا مكان يهيمنون عليه. رسالة الهنود في تلك الأيام المالحة كانت نبيلة ومبرأة من الأغراض، كانت تهدف لأن تعلّم أهل الحجاز صيد السمكة، وبعد ذلك أكلها.