لا تنتظر المعايدة من أحد لأي اعتبار بل ابدأ أنت وبادر بسلام وتحية ووردة حبّ ورمز ابتسامة وسؤال عن حال، واتصل إن أمكن، فإن هذا البلاء الذي حل بالعالم يتوجب على المجتمعات الأخذ بأسباب حصره ودفعه حتى لا يلتهم الجميع وسنعيش حياتنا رغم وجوده.. كثيرًا ما تأتينا الرسائل والباقات المحولة في الواتس والتويتر وغيرهما من مواقع التواصل، ولا نحاول تكليف أنفسنا الوقوف عند معانيها، ولعلنا لو دققنا في مراد مرسلها أو ناسخها ولاصقها لوجدنا أن هناك كتلة من المشاعر أراد التعبير عنها برسالته المختصرة، فتارة يرسل قلبًا وتارةً يرسل باقة وردٍ، وربما كانت تحمل من معاني العتاب شيئًا، فقد تفننت تلك التطبيقات باختصار المشاعر والرسائل الطويلة في رمز صغير، وقبل ذلك أتاحت ما هو أكثر صلة بالآخرين وتفاعلًا معهم من المحادثات الصوتية ومحادثات الفيديو، وأيضًا لا ننسى ما تتيحه الاتصالات المحلية وما تقدمه من خدمات في المناسبات، وحتى لا نجعل المادة هنا مادة إعلانية فسوف ندخل في المراد، وهو كيف نهنئ أحبابنا بالعيد؛ كيف ستكون معايدتنا الأحباب والأقارب والأصدقاء، في الوقت الذي اجتاح العالم البلاء "كورونا" ولا وقاية له ولا علاج إلى الساعة هذه إلا الحجر والتباعد، نسأل الله أن يرفع هذا البلاء. إن العادات في بلاد العرب والمسلمين تختلف كثيرًا عن بلاد الغرب، والمجتمعات العربية والإسلامية تميزت بترابط النسيج الاجتماعي والتقارب بين العائلات والأقارب، واختلطت تلك العادات ببعض المشاعر والمناسبات الدينية كالتي نحن فيها، فيشرع في الأعياد التزاور والاجتماع وصلة الرحم وتبادل الهدايا، وهو ما ستختفي كثير من صوره في هذا العيد، ولا يعني ذلك أن نغلق باب الفرحة والابتسامة بالمناسبة مع أن البلاء عظيم، ومن الأسر من فقدت بعض أحبابها بهذا البلاء، نسأل الله الرحمة لمن توفي والشفاء لمن أصابه، والعافية لمن أبعده الله عنه. والعيد فرحة بفضل الله ورحمته، فيفرح فيه السجين والمريض والمبتلى، هو فرحة إحساس وشعور تتجاوز الظرف المعاش، ويمكن التعبير عنه بطرق شتى، منها ما ورد في السنة من الزفن واللعب، ومنها ما يمكن التفاعل معه بالتواصل المادي كالهدايا والزيارة وغيرهما، فلما عجزنا في عامنا هذا عن ذلك فإن التواصل ميسر باتصال أو برسالة أو بمحادثة مع التنبه أن بإمكاننا ابتكار أساليب فرحة خاصة، فربما كثير من الأسر لا تجدها تلتقي تحت سقف واحد فيما سبق من الأعياد والمناسبات، فتجد لتعدد واختلاف الهوايات كلًّا منشغل بطريقته في التعبير عن فرحته بالعيد، غير أن في هذا العيد كثيرًا من الأسر اجتمعت، ومع مطالبتها بالحيطة والحذر وتطبيق التباعد أيضًا إلا أنها اجتمعت على غير مثال سابق. ولعلك تلفت يمينًا وشمالاً فلا ترى أناسًا اعتدت على الاجتماع بهم في كل عيد، فارجع إلى أسماء جهات الاتصال لعلك ستجد كثيرًا وكثيرًا من الأحباب قد أغفلهم ذهنك، فابعث لكل أحد منهم رسالته وتهنئته الخاصة، وخصه بها باسمه وصفته، واسأله عن فلان وفلان حتى لا تشعره أنها رسالة جماعية تمرر بغير تدقيق نظر، فإن مما يعاب في وسائل التواصل هذا الأسلوب الذي احتوى على كم كبير من الرسائل التي يتبادلها الناس بالنسخ واللصق دون إشعار الشخص أنه مقصود حقيقة، وقد تكون وسيلة لا بأس بها في الإعلانات وعند كثرة الأصدقاء والمحبين، ولكنها لا تليق بأقرب الناس إليك من إخوة وبني عم وأصهار وأعزة من الأصدقاء، فهؤلاء في نظري لا تكفيهم المعايدة الجماعية، فالوقت - والحمد لله - كاف لنخص كثيرًا وكثيرًا من الأقارب بالمعايدة عن بعد. وأيضًا مما ينبه عليه هو ألا تنتظر المعايدة من أحد لأي اعتبار بل ابدأ أنت وبادر بسلام وتحية ووردة حبّ ورمز ابتسامة وسؤال عن حال، واتصل إن أمكن، فإن هذا البلاء الذي حل بالعالم يتوجب على المجتمعات الأخذ بأسباب حصره ودفعه حتى لا يلتهم الجميع وسنعيش حياتنا رغم وجوده.. إنها حياة المؤمن الراضي بالله، وبما يقدره الله، وفي الصحيح: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ». وأختم مقالي هذا بالتهنئة الممزوجة بالمودة والمحبة لمقام خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، ولكل أفراد المجتمع السعودي، والعربي، والإسلامي، كل عام وأنتم بخير، وعساكم من عواده، في صحة وعافية وحياة مفعمة بالسعادة. هذا، والله من وراء القصد.