في ظلّ الظروف الاقتصادية المتأزمة التي تمرّ بها دول العالم دأبت المملكة على حملِ لواءِ السبْق في امتصاص كل التأثيرات التي تقاسمتها الدول العالمية اقتصادياً وصحياً، وتخفيف وطأتها على المواطنين إلى أبعد الحدود، حزمة التدابير الاقتصادية التي قدّمتها المملكة للقطاع الخاص كانت مظلّة حماية داعمة وقوية للأنشطة الاقتصادية من تداعيات التدابير الاحترازية المُتخذّة لمكافحة فيروس كورونا المستجدّ، وبالمقارنة وتبعات الخسائر الاقتصادية للدول تأتي المملكة ضمن مجموعة الدول الأقلّ تأثراً بالتبعات الصحّية والاقتصادية، فالمملكة حالياً، وعقب وصول الجائحة لذروتها حسب المؤشرات الدولية، نجحت في إدارة الأزمة، وتبعات هذه الإدارة أسهمت كثيراً في تقليص الخسائر البشرية والاقتصادية باقتدار وتجنيبها الأسوأ، إلا أن المرحلة ما زالت تستلزم ترشيد النفقات الحكومية وتقليصها، وهو الأمر ذاته في إدارة الأزمة بعيداً عن ملامسة هذه الإجراءات أو التبعات المواطن السعودي، فمن الواضح ابتداءً حسب تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان اتخّاذ إجراءات اقتصادية وقائية في المناطق الاقتصادية الأقلّ تأثيراً على المواطن بشكل مباشر، كتقليص النفقات في البنود الحكومية المختصّة بالسفر والانتدابات وما تراه اللجان المختصّة بإدارة آثار أزمة الجائحة من خطوات أخرى اقتصادية، مما يؤكد، بمشيئة الله، أن تبعات المرحلة الحالية ستنجلي بأقلّ الخسائر الاقتصادية الوطنية، وامتصاص تأثير الأسواق العالمية وتباطؤ حركة الطلب النفطي الدولي، الذي بدأ يواجه سياسيات مضادّة لتخفيف آثاره على الأسواق العالمية، ودفع المستويات السعرية للخام نحو مناطق مجدية للاقتصاد الدولي، بانتظار تكامل مراحل الخروج من حالة الانغلاق الاقتصادي لكافّة الدول. يقول أستاذ الطاقة بجامعة الملك سعود الدكتور فهد المبدّل بعد الارتداد العنيف للأسعار النفطية من السالب إلى نحو 20 -30 دولاراً للبرميل، ما يزال سعر النفط متفاوتًا وغير مستقر بسبب تراكم المخزون والفوائض النفطية في كافة أنحاء العالم، حيث إن أكبر الاقتصادات الدولية (أميركا والصين) قامتا بتخزين مئات الملايين من براميل النفط في مواقع التخزين الخاصة بهما، ونجد أن بعض دول أوبك مضطرة لإيصال النفط إلى شمال أوروبا بتخفيض يصل إلى 9 دولارات للبرميل (بقاع سعري يصل ل 11 دولاراً هذا الشهر لبعض أنواع نفوط أوبك) بدلا من بقائه في الناقلات لفترة أطول، ومع تحسن أسعار نفط برنت بحر الشمال والنفط الأميركي الذي جاء بسبب التخلص من فوائض شهر أبريل الماضي بأسعار دون الصفر وخروج بعض المنتجين الصغار من السوق كذلك وعد الحكومة الأميركية بالتدخل لصالح صناعة النفط الصخري الأميركي. وتابع من المتوقع أن تمر أسواق النفط بثلاث مراحل في الأسابيع والأشهر القادمة، الأولى استمرار التقلب وتحديات السعر المتمثلة بحرص المنتجين على التوجّه نحو الحصول على تدفق نقدي موجب دون شروط سعرية وذلك خلال الأسابيع العشر القادمة خصوصا شهر مايو/يونيو 2020، ثم تحسن في السعر قد يصل إلى 40 دولاراً للبرميل في الربع الثالث من هذا العام وهذا مشروط ببدء فتح بعض الاقتصادات الكبيرة (الولايات الكبرى في أميركا) ودول أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية بعد انحسار فيروس كورونا وتخفيف قيود الحظر، وأخيراً ارتداد إيجابي للسعر وصولاً إلى أكثر من 60 دولاراً للبرميل العام القادم بإذن الله، من جهته قال الدكتور عبدالرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات والاستشارات عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمنطقة جازان ما زالت الأسواق تترقّب زيادة البوادر التي تنمّ عن عودة النشاط الاقتصادي من خلال نمو حركة الطلب التي تأثرت كثيراً خلال الأشهر الماضية من إجراءات العزل الصحّي الذي طال غالبية دول العالم، وانعكس بتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي منها على وجه الخصوص الأسواق النفطية التي ما زالت تشهد مستويات سعرية متدنية في الفترة الراهنة لمتغيرات كبيرة في عاملي العرض والطلب بالأسواق، فالطلب العالمي على النفط تراجع بشكل كبير جداً منذ أول شرارة له في الصين ومن ثَمّ دول العالم التي انعكست في إجراءات العزل التي أرهقت الاقتصاد الدولي، ففي الربع الأول من العام الجاري إلى نهاية أبريل المنصرم كانت فترةً وقائية مطلوبة جداً إلا أن ثمنها كان تبعات الوهَن في شرايين الاقتصاد العالمي وحركة نشاطه ونمّوه. وتابع قائلاً المؤشرات الحالية التي تصاعدت خلال الفترة الماضية تُرجّح أن تأثير الإجراءات الوقائية على أسواق النفط والاقتصاد العالمي ككل قد بلغت مرحلة "الذروة" حيث بدأت المحاولات الرامية إلى تخفيف القيود على بعض الأنشطة الاقتصادية بمختلف الدول كالمملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية وبعض الدول الأخرى في القارة الأوروبية.