الوقت الذي يتاح لنا في هذه الأيام قد نبحث عن جزء منه في المستقبل، ولعله أن يكون نعمة نتثاقلها، أو نغفل عنها، فلا نشعر بقيمتها إلا إذا فقدناها، فلعلنا نحرص على التزود بالنافع من كل فن، ونشغل الوقت بالمرح والسرور، والعلم، والثقافة، والتسلية المشروعة.. رُبّ ضارةٍ نافعة، هكذا أطلقت الحكمة، وقد تجلّت في التنزيل بألفاظ أخاذة وأسلوب ممتع ومؤنس، «فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا» ولن نعدم فائدة لو أردنا أن نخرج بمقالنا عن جو "كورونا" ولكني أفضل أن أقدم هذه الكليمات جوابًا لسؤال قد يشغل عقول الكثيرين "ماذا نفعل أثناء لزوم البيت؟" وهو سؤال حري به أن يناقش؛ لأنه يخص "أوقاتنا" التي هي أغلى ما نملك، وقد قال العارفون بأهميته: الوقت أنفسُ ما عنيت بحفظه وأره أسهل ما عليك يضيعُ وقد تتعدد الإجابات عند الكثيرين، وكل جواب يرتكز على قدرات ومواهب صاحبه، ولكن الذي عليه مجمع المواهب والإبداعات هو "القراءة"؛ لأنها أساس كل موهبة وإبداع، ومن المعتاد سماعه ومعرفته، هو أننا أمة "اقرأ" وهي الكلمة التي افتتح بها التنزيل، وبدئ بها الخطاب الإلهي لحبيبنا صلى الله عليه وآله. ومن المفترض أن لا نتكلم عن القراءة تذكيرًا بها فمن المفترض أنها جزء أساسي من حياة المسلم، بل من حياة الإنسان العاقل، ولما ذكر الله في القرآن العلم لم يخص به المسلم، وفي سياق آيات اقرأ، عم الخطاب «علم الإنسان مالم يعلم». وها هو كورونا يأتي فيشغل العالم كله، ويقطع الوصال بين البشر إلا عن بعد، فانشغلت كل بلدة برعيتها، وكل فرد بأهله وشخصه ليعرف ما كورونا ليتقيه بكل سبيل ممكن!. ولا شك أن أول ما يفعله أحدنا هو القراءة عن كورونا في كل الوسائل المتاحة ليعرف ما طرق الوقاية منه؟ وفي أثناء تلك القراءات العابرة تعترض القارئ مصطلحات وعبارات غامضة بالنسبة له، وهي عند كثير من الشعوب معلومات أساسية في حياتهم، كأسماء الفيتامينات والأغذية التي تدفع كيت وكيت من الأمراض إلخ. وربما ذهب أحدنا بين كل مصطلح وآخر يفتش ويبحث عنه ويقرأ من جديد، لتكتمل عنده المعلومة التي يريدها، بينما كان أمرًا معلومًا وشيئًا أساسيًا في المعرفة لو أننا أعطينا القراءة حقها منذ نعومة الأظفار! وليس هذا مرادي من الحث على القراءة بل مرادي هو استغلال الفراغ الذي أحدثه كورونا لنعود بعده لمزاولة أعمالنا حامدين الله على كل حال وقد رجعنا بشيء جديد واختلفنا بعد كورونا عما قبله، ولعلك تسأل ما الذي يمكن فعله؟ فأقول تستطيع أن تتعلم لغة بتمامها في أيام كما يقوله المختصون، تستطيع أن تعود إلى عملك بموهبة كانت في ذهنك هواية فأخرجتها بالتعلم والممارسة إلى واقع، تستطيع أن تقرأ كتبًا تعجز عن حملها بيدك ولكنك ستفعل ذلك بذهنك حين تعزم، تستطيع في أيام أن تراجع علمًا درسته فأنستك إياه مشاغل الحياة. كثيرا ما نسمع عن أحداث وقصص ووقائع فإذا أردنا أن نتكلم مع الآخرين تلعثمت الكلمات في ألسنتنا لتلعثم المعرفة بها، فأيام الفراغ نستطيع أن نقرأ ونستمتع بما كنا نحب سماعه من الآخرين، وربما أكثر من هذا وأهم تستطيع أن تعلم القراءة من لا يحسنها من أفراد أسرتك كأم أو أبٍ أو أختٍ ناهيك عن أطفالك الصغار الذين باستطاعتهم أن يقرؤوا ويكتبوا في أيام قليلة إذا ما ألقينا لهم اهتماما، وكل ذلك نستطيع أن نفعله مع الأخذ بأسباب الوقاية والتباعد بقدر الإمكان، ولا ننسى أن كل ما قيل هنا هو للرجل والمرأة، وإضافة إلى ذلك نستطيع إحياء الروابط الاجتماعية والكلامية بين أفراد الأسرة بالنقاش والأخذ والرد في الكلام بعيدًا عن سيطرة الجوالات والأجهزة الحديثة فلكل مقام مقال، ولكل وقت آلته وحديثه. فالوقت الذي يتاح لنا في هذه الأيام قد نبحث عن جزء منه في المستقبل، ولعله أن يكون نعمة نتثاقلها، أو نغفل عنها، فلا نشعر بقيمتها إلا إذا فقدناها، فلعلنا نحرص على التزود بالنافع من كل فن، ونشغل الوقت بالمرح والسرور، والعلم، والثقافة، والتسلية المشروعة، ونحول أيامنا القادمة ونحن ننتظر الفرج إلى أيام معمورة بالنتاج المثمر المفيد. هذا، والله من وراء القصد.