إن علم الله جل وعلا ورقابته محيطةٌ بكل شيءٍ شاملة الكون كله سماواته وأرضه، بره وبحره، سهله ووعره، شاملة الزمن ما وقع وما لم يقع، لا يمكن أن يعزب عنه شيءٌ من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فإذا كان أغلب الناس يضبط نفسه ويتحكّم في تصرفاته إذا علم أن المحلَّ الذي هو فيه مراقب بالكاميرات، فمن باب أولى أن يضبط تصرفاته وأقواله وأفعاله البدنية والقلبية بميزان الشرع.. مما يتعاطاه بعض الناس لحفظ أنفسهم ومساكنهم وأموالهم وضع كاميرات المراقبة، والتي تتيح لهم مراقبة ما يخافون عليه الغائلة، فتقوم هذه الكاميرات بتسجيل كل التحركات التي تكون في محيط المكان الذي وضعت فيه، فتتم المراقبة الآنية عبر البث المباشر، أو اللاحقة عبر استرجاع شريط التسجيل، ولي مع ذلك بعض الوقفات: الأولى: أن هذا من فعل الأسباب التي تكفل بأمر الله تعالى الحماية للأنفس والأموال والممتلكات سواءٌ بشكل وقائي بحيث لا يجرؤ أغلبُ الناس على التعدّي مع وجود تلك الكاميرات، أو بالدلالة على الجاني بعد التعدّي، واستعمالُ الأسباب في صيانة ما تجب صيانته أمرٌ مشروعٌ، وشرعنا الحنيف لا يضيق على الناس فيما يتعلق بالأسباب، وذلك من عظمته وشموليته للناس كافة، وديمومة استمراره من غير نسخ، وذلك يتناسب مع التوسعة في الأسباب؛ لتنوعها بتنوع الأعراف والتقاليد، وتجددها وتطورها مع تعاقب الأزمنة، ما لم يكن السبب في نفسه ممنوعاً شرعاً لورود نهيٍ خاصٍ فيه، وقد استقرّ عند فقهاء العصر الترخيص في التصوير للحاجة حتى عند من يرى أن التصوير الفوتغرافي داخلٌ في النهي، أما من لا يعتبره مشمولاً بالنهي فالأمر واضح. الثانية: أن نحمد الله تعالى على هذا النوع من التسخير، فوجود مثل ذلك مما يُيسِّرُ للناس مسألة المراقبة والمتابعة، فمثل هذه الجمادات تفعل ما لا يفعله الكائن الحي من الدقة والمرابطة، ولا يُخافُ عليها كثيرٌ من آفات الحراسة البشرية كخيانة الحارس وتمالئه مع المعتدي أو عدم مبالاته، وهي جزءٌ مما فُتحَ على الناس من التسهيلات التي لم تكن مُتاحةً من قبل، ولكنها داخلة في النصوص المفصحة عن امتنان الله تعالى على خلقه بتسخير الكون لهم، كقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، ومن أنواع شكر الله تعالى على الإنعام بها أن لا يُتعدّى في استعمالها، وأن تُسخّرَ للنفع بجلب المصلحة ودرء المفسدة، ولا تستعمل للإضرار بالآخرين، فمن كفران النعمة أن تُستعملَ في معصية الله تعالى، وهو من أنعم بها، ولو شاء لسَلَبَها. الثالثة: أن في هذه الكاميرات تذكيراً لنا بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء وبمراقبته لنا مع الفرق الشاسع والبون الواسع، فإذا كانت الكاميرات تُغطِّي مساحةً يسيرةً، ويقتصر أمرها على ما وقع من الأحداث، ناهيك عما يطرأ عليها من الخلل كانقطاع الكهرباء، أو التعرُّض للتلف أو للإتلاف، فإن علم الله جل وعلا ورقابته محيطةٌ بكل شيءٍ شاملة الكون كله سماواته وأرضه، بره وبحره، سهله ووعره، شاملة الزمن ما وقع وما لم يقع، لا يمكن أن يعزب عنه شيءٌ من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فإذا كان أغلب الناس يضبط نفسه ويتحكّم في تصرفاته إذا علم أن المحلَّ الذي هو فيه مراقب بالكاميرات، فمن باب أولى أن يضبط تصرفاته وأقواله وأفعاله البدنية والقلبية بميزان الشرع، فيفعل ما عليه فعله، ويترك ما عليه تركه استشعاراً لمراقبة الله لخلقه، وهي مراقبةٌ تتمثّلُ في إحاطة علم الله بكل شيءٍ، قال الله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ). الرابعة: أن بعض الناس تُذهلُهُ القدرات الهائلة التي تظهر على أيدي البشرية في هذا العصر فينبهر بها، وينسب الفضل فيها إلى عبقرية أهل العصر، ويتناسى أن هذا بتعليمٍ وإلهامٍ من الله، وهو الذي أقدر المخترع على ما اخترع، والله تعالى قد منَّ على عباده في مختلف العصور على إمكاناتٍ هائلةٍ في أجسامهم واختراعاتهم وصناعاتهم، وقد قصَّ الله تعالى علينا في القرآن الكريم كثيراً من ذلك، وذلك مُتنوِّعٌ فمنه تسخير الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام ما سخّر له من المخلوقات، وتمكينه من الأمور التي لم تجر العادة بتمكُّنِ البشر منها، سخّر له الريح تجري بأمره، وسخّر له الشياطين، ومن أعظم التمكينات انتقالُ عرش بلقيس العظيم إليه من اليمن إلى الشام طرفةَ عين، ومن أنواع التسخير ما منحه الله للأمم السالفة كما هو مذكورٌ في القرآن الكريم عن إمكانات قومِ عادٍ وقومِ ثمود وغيرهم، وبعض آثارهم ما زالت ماثلةً تُفصحُ بلسانِ حالها عن عظمة من ألهم الناس صُنعها، وتنطق بأن مخترعها ومُنمِّقها من البشر لو كان قديراً بنفسه مستقلاً عن خالقه لبقي عامراً لها مستمتعاً بها.