الناجحون لا تعرقلهم صرخات حمقاء، ولا تُشوِّشُ عليهم اتهامات نكراء، ويكفي دليلاً على خبث نفوس المثبطين والحاقدين أنهم لا يمتلكون وسيلة شرعية ولا أخلاقية لتنفيذ مآربهم الفاسدة؛ ولهذا يتّسمُ أسلوبهم في إظهار ما تُكنُّ صدورهم بكل أنواع الغرور والبغي.. النجاح ميزةٌ مرغوبٌ فيها، لا تنشأ عن فراغ، بل تحتاج إلى توفيقٍ من الله تعالى، ثم إلى العمل السديد الذي يُثمرُ المطلوب، ومن المعتاد أن يُبتلى الناجح بقاعدٍ عن اكتساب المعالي أعوزته الأشغال النافعة، فجعل شغله الشاغل التنديد بمن يسلكون الطريق القويم في دينهم ودنياهم، وأهم ما يُسبِّبُ امتعاض المخذول من المحظوظ الناجح أمور: الأول: أن آليات النجاح دقيقةٌ بحيث لا يتفطّن لها أغلب الناس، فقد يظهر لأهل الحذق والبَصَر من وسائل الهداية وأساليب العمل ما يخفى عن قاصر النظر الذي حجبته ظلمات الكسل والتخاذل عن الانطلاق في الدرب الصحيح، فيكون هذا التباين في الإمكانات سبباً لإعلاء الفارغ صوته وجلبه بخيله ورجله ليوقف مسيرة الناجح؛ ظنّاً منه أنها مسيرةٌ خاطئة، وهذا يحصل في أمور الدين والدنيا، فكم من مُبطلٍ ضالٍّ خَفِيتْ عليه أدلة الحق، وفَرِحَ بما عنده من الأوهام، فنادى بالنّكير على المستقيم الذي رُزِقَ الهداية، وكم من مُخفقٍ في أمور الدنيا من سياسةٍ وتجارةٍ وسيادةٍ يرى خطوات الناجحين في الاتجاه الخاطئ، ويكثر من التنديد بهم، ويحاول عرقلة جهودهم، وكلا النوعين لا تُعرقلُ جلبتُهُ الموفق الذي انطلق لوجهته، ولا يأبه بما يأتي وما يذر. الثاني: الحسد، والحاسد لا يهدأ له بالٌ إلا إذا عمّ الفشل، وشاع الاسترخاء، وغاضت النعم، فلم ترشح منها قطرةٌ إلا في كفِّهِ الضيّقة المُمسكة التي لا يمكن أن يُرتقب منها بذل الخير، كيف لا وصاحبها يمتعض من قسمة الله لنعمه، ويتمنّى انحصار عطاء ربٍّ يده ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ، ولما كان الحاسد بهذه الصفة لم يَرُق له أن يعمل عاملٌ أو أن ينجح ناجح، ولم يستسغ أن يرى مُعطياً يُنفق، أو مُعلّماً يُخرِّجُ النبهاء، أو سياسياً يُديرُ الشؤون، ويرعى المصالح ويدافع عن الحرمات، أو أغنياء يُثمِّرون أموالهم، ويُقدِّمون خدماتٍ تُسهِّلُ حياة الناس، وتُعينُ على رفاهية المجتمع، فكان دأبه الصراخ والعويل، ومحاولة إلصاق التهم، وافتعال الدسائس في محاولة منه ليزعج عاملاً فيتوانى، أو أن يُضجِر مُنجزاً فيترك إنجازاته وتضيع، لكن الناجحين لا تعرقلهم هذه الصرخات الحمقاء، ولا تُشوِّشُ عليهم تلك الاتهامات النكراء، ويكفي دليلاً على خبث نفوس المثبطين والحاقدين أنهم لا يمتلكون وسيلة شرعية ولا أخلاقية لتنفيذ مآربهم الفاسدة؛ ولهذا يتّسمُ أسلوبهم في إظهار ما تُكنُّ صدورهم بكل أنواع الغرور والبغي فمن أساليبهم: أولاً: التعالي المقيت بلا سببِ علوٍّ حقيقي، وهو أقدم وسيلة يتصدّى بها المبطلون للمنعم عليهم من البشر، فمع اجتباء الله لأبينا آدم عليه السلام عادى إبليس لعنه الله آدم عليه السلام، ونقل هذا العداء إلى ذريته، ولم تكن له حجة يحتجُّ بها على ذلك إلا دعوى بائسة مفادها أنه خيرٌ منه، وأن عنصره أفضل من عنصره، وما زال المبطلون يحاولون الفتَّ في أعضاد الناجحين من خلال التشدّق بهذه النظرية التي لا أساس لها من النظر، وعلى هذا دأب مكذبو الرسل في تصدِّيهم للرسل بكل تعالٍ وترفُّعٍ واستكبار، حتى وصل الأمر ببعضهم لاقتراح وضع الرسالة حيث لم يضعها الله تعالى (وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ). ثانياً: البغي والعدوان وعدم مراعاة الحقوق حتى مع أقرب الأقربين كما حصل من ابن آدم لما حسد أخاه (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وهذه الآية تختصر دروس الفرق بين نفسية الموفق الناجح، ونفسية المخفق الحاسد، فالحسود لم يجد وسيلة للتعامل مع موقف إنجاز أخيه وإخفاقه إلا أن يقتله، لم يستعن بالله الذي وفق أخاه، ولم يقتد بأعمال أخيه الصالحة التي ببركتها وفقه الله وتقبل منه قربانه، ولم يجعل نجاح أخيه منقبةً يتعزّزُ بها، والموفق الناجح كان في منتهى الطمأنينة والسكينة، لم يُزعجه هول ما سمع من أخيه المهدد بقتله، ولم يخرجه ذلك عن طوره، بل واصل في سلوك سبيل الخير والصلاح، فأرشده إلى وسيلة القبول وهي التقوى وقال: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). ثالثاً: اللؤم، ويتلخص في أن مثبّطي الناجحين والمنددين بالمنجزين لا يبالون بتعطُّل المصالح التي يجلبها أولئك مع أنهم موقنون بأنهم يجلبون مصالح عظيمة يستفيدون منها، ويدفعون أضراراً لو نزلت لأهلكتهم فيمن تهلك، لكن من شدة خبث نياتهم لا يُبالون أن يتعثَّر العامل الناجح ولو أرهقهم ذلك، وعرّض أنفسهم وأموالهم وحرماتهم للمخاطر.