بعد أيام من الإنكار والمراوغة اعترف النظام الإيراني بإسقاطه الطائرة المدنية الأوكرانية بصاروخ بالستي محرم دولياً، لتؤكد هذه الحادثة بأن إيران دولة هشة في سلاحها الجوي، وهي التي كانت على مدى سنوات طويلة تستعرض صواريخها التي أصبحت لا تفرق بين الطيران المدني والصواريخ المتفجرة. وقال المتخصص في الشؤون الإيرانية د. محمد محسن أبو النور ل»الرياض»: بأن الولاياتالمتحدة الأميركية قادرة على اختراق كافة الوسائل الحربية الإيرانية، لذلك ليس مستغرباً على القادة الإيرانيين الكذب والمراوغة حيال استهدافهم للطائرة المدنية، وأضاف بأن تأثير الحادثة على إيران سوف يكون تأثيراً مدوياً، حيث إن إيران أسقطت الطائرة بصاروخ قصير المدى «بالستي»، وهو من نوعية الصواريخ المحرمة دولياً بقرار مجلس الأمن رقم 2231 المتعلق بإلزام إيران بعدم إجراء تجارب صواريخ بالستية أو امتلاك أي منظومة صاروخية بالستية، وهذا ينعكس سلباً على سمعة إيران الدولية حيث أصبحت دولة غير آمنة أو مؤهلة لامتلاك هذه التكنولوجيا من التسليح، وهذه التكنولوجيا من التسليح خطيرة وفي منتهى الحساسية، واستخدمها يكون في إطار ضوابط معينة، وإيران تقول للمجتمع الدولي من خلال ذلك أنها غير كفء لامتلاك هذا النوع من الصواريخ، ولا سيما وأن قائد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري أمير على حاجي زادة قال إن إسقاط الطائرة نتيجة خطأ بشري، وأنهم يعتقدون أنه صاروخ سكود أميركي قادم من العراق، ما يعني أنهم لا يستطيعون التفرقة ما بين الطائرات المدنية والصواريخ، كما أن إطلاق الصاروخ الإيراني على الطائرة الأوكرانية كان في وقت سريع جداً، ولم يعد الضباط الصغار إلى قادتهم، وبالتالي هؤلاء ليس أكفاء وليس بأمان من امتلاك هذه التكنولوجيا الخطيرة جداً المتعلقة بالصواريخ البالستية، وأضاف بأن إيران أخفت بالبداية أسباب الحادثة لأنها رأت نفسها في ورطة، وأضاف أبو النور «بالمناسبة اعتادت إيران على إنكار الحقائق وإخفاء المعلومات الأساسية، لكن بضغط من المجتمع الدولي اعترفت، لأن هذه الطائرة كان فيها ركاب من جنسيات مختلفة، ما أدى إلى أن تعلن إيران الحقيقة بعد أن استولت على الصندوق الأسود، وكل هذه المعلومات تشير أن إيران أخفت أسباب الحادثة حتى لا تتعرض للعقوبات الدولية، لكنها بضغط من الحكومات الغربية اضطرت للاعتراف حتى تنأى بنفسها عن المخاطر السياسية المترتبة على الحادثة، لكنها بالتأكيد سوف تكون في وارد تحمل المخاطر القانونية والجنائية أمام أسر الضحايا وفقاً للقانون الدولي»، وأكد أبو النور بأن الدول المناوئة لإيران وبالتحديد الولاياتالمتحدة الأميركية سوف تخرج كاسبة ورابحة للغاية، لأنه منذ اللحظة الأولى أميركا أعلنت أنها جمعت معلومات عن طريق أقمارها الصناعية الاستخباراتية، ووجدت أن هذه الطائرة انفجرت عن طريق صاروخ «بالستي إيراني» ولكن إيران نفت ذلك، إذاً سوف تكون أميركا في مواجهة إيران دولة صادقة ذات سمعة حسنة في المجتمع الدولي، بينما إيران هي التي تبادر بالكذب دائماً، فلذلك أميركا سوف ترجح وجهت نظرها القائلة على أن إيران لا تملك هذه الصواريخ النوعية، وعلى إيران فوراً أن تخلي بلادها من نوعية هذه الصواريخ الخطيرة، وسيكون ذلك ضغطاً كبيراً للولايات المتحدة الأميركية على إيران، وشدد أبو النور على أن إيران خسرت في هذه الحادثة الكثير جداً، خسرت ماء وجهها، وكشفت للمجتمع الدولي والرأي العام بالداخل والخارج أنه لا يوجد تنسيق بين الطيران المدني والحرس الثوري، وهناك تضارب في المصالح وفي الاتجاهات الاستراتيجية الداخلية على مستوى تنسيق السلطات في الداخل، وهذا يشي بأن إيران من الداخل لديها مشاكل بنيوية عميقة لا تؤهلها أن تعلب دوراً كبيراً على المستوى الخارجي، إضافة أن تقريباً نصف الضحايا إيرانيون، والنصف الآخر إما أنهم من جنسيات أوروبية أو أنهم حاصلون على الجنسيات الأوروبية لكنهم من أصول إيرانية، لذلك المجتمع الإيراني بالداخل سوف يشعر بالنقمة الشديدة على هذا النظام، لأن هؤلاء ضحايا أبرياء ليس لهم علاقة بالصراعات مع أميركا أو عسكرة المليشيات في الدول العربية، سوف يشعر هذا المجتمع بالنقمة على هذه الدولة التي لا تجيد التصرف بالأسلحة الخطيرة كالصواريخ البالستية، ولا تجيد حماية المدنيين العزل من هذا السلاح الخطير، والذين ليس لهم علاقة بكل هذه الصراعات، وتوقع أبو النور أن تكون هناك عقوبات دولية كبيرة على إيران، خاصة إذا ذهبت الدول الأوروبية التي لها مواطنون كانوا على متن هذه الطائرة لمجلس الأمن، وذلك من أجل تطبيق القرار الأممي «2231»، كما أتوقع أن تكون هناك عقوبات من الاتحاد الأوروبي على إيران بموجب إسقاط هذه الطائرة بحكم أن أوكرانيا هي إحدى الدول الأوروبية، وكذلك أن تكون إيران أمام ضرورة تعويض أهالي الضحايا مبالغ مادية طائلة، وهذا سوف يكون كارثياً بالنسبة للوضع الاقتصادي الإيراني المتردي، الذي تعاني منه إيران منذ توقيع ترمب العقوبات الاقتصادية على إيران في أغسطس عام 2018م، ولذلك إيران ستخسر كثيراً جداً في هذه الحادثة، وسوف يكون ذلك منعطفاً جذرياً في سياستها القادمة.