رغم الأجندة التي لا يخطئها عقل مراقب يعي بواطن الأمور، لم تقف المملكة في وجه إقامة تلك القمة، ولم تستعمل نفوذها القوي لإفشال (المنتدى)، وقد فعلت ذلك من موقع قوة لا ضعف، يحدوها الأمل وحسن الظن بأن يكون هناك بعض الخير فيما يجري. لكن سكوت المملكة شجع نظام الدوحة، ومعه نظام أردوغان العلماني التركي، لبث الأكاذيب بأن المملكة مارست الضغط على دولة إسلامية شقيقة أكثر ما يدمي جسد العالم الإسلامي لا يأتي من أعداء الإسلام المعروفين، لكنه يأتي بكل أسف من داخل الأمة نفسها، هذا ما تحفظه كثير من صفحات التاريخ، وهذا ما جعل آلام الأمة مضاعفة؛ حيث تأتي الهجمة الغادرة ممن كان يؤمَن جانبهم. والمملكة صاحبة اليد الطولى في حماية الإسلام وحمل رسالته، وصاحبة المبادرات والمواقف المشهودة لدعم الشعوب الإسلامية أينما كانوا والذود عن قضايا المسلمين أينما حلوا، ظلت دومًا على مواقفها لا تتزحزح عنها قيد أنملة، دافعها في ذلك مكانتها التي اختصها بها المولى عز وجل كحاضن للحرمين الشريفين ومنطلق الرسالة الإسلامية على يد المصطفى محمد عليه صلوات الله وسلامه إلى العالمين. من تلك المكانة التي حفرتها المملكة عبر تاريخها، ومن تعاملها المستمر مع قضايا الإسلام والمسلمين كقضايا محورية تبذل الغالي والنفيس من إمكاناتها ومواردها دعمًا لها، جاء تقدير العالم الإسلامي في غالبيته الساحقة لها، فكان لها ما نالته من مكانة في قلوب الشعوب الإسلامية، وكان لها ما كان من احترام لكثير من هموم المسلمين وسط عالم غارق في الانكفاء على مصالحه دون التفات لمصالح الآخرين وقضاياهم. من هنا فإن المزايدة على مواقف المملكة ومكانتها بأجندة ظاهرة أو خفية تبوء بالخسران المبين، ومحاولات شق الصف الإسلامي الذي حرصت المملكة على بنائه وانتظامه وتناسقه لعقود طويلة لن تقود إلا إلى تشرذم يعود بآثاره السالبة على قضايا الأمة، دون أن يمس مصالح المملكة الداخلية والخارجية بسوء لو علم أهل الحصافة واللب. لقد ظلت دولة قطر إحدى الدول التي تكن المملكة لشعبها كل احترام وتقدير، وما زالت المملكة بالإحساس النبيل ذاته تجاه شعب شقيق مسلم تجمعنا به أواصر العقيدة والجوار والتاريخ، لكن ابتلاءات السياسة شاءت أن يأتي لقيادة ذلك الشعب الشقيق من لا يرعى للجوار حرمة، ومن لا يستشرف بأفقه المصالح العليا للدولة، فشاء أن يختار مكان الخنجر المغروس في خاصرة الخليج، وامتد بآثامه لتعكير صفو العالم كله بما يوفره من بيئة حاضنة للإرهاب، ومن دعم خفي ومعلن لكل بؤرة تتهدد السلم والأمن في الإقليم وفي العالم بأسره. لقد كان ما سمي «القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور»، التي تقلصت لاحقًا إلى مسمى (منتدى) محل دهشة من العالم الإسلامي، في وقت تسامقت فيه القنوات الإسلامية المعروفة التي تتبنى قضايا الإسلام والمسلمين، وصار لها احترامها الدولي بما أدته وتؤديه من أدوار في تمثيل أكثر من مليار مسلم منتشرين في أصقاع العالم. وبرغم الأجندة التي لا يخطئها عقل مراقب يعي بواطن الأمور، لم تقف المملكة في وجه إقامة تلك القمة، ولم تستعمل نفوذها القوي لإفشال (المنتدى)، وقد فعلت ذلك من موقع قوة لا ضعف، يحدوها الأمل وحسن الظن بأن يكون هناك بعض الخير فيما يجري. لكن سكوت المملكة شجع نظام الدوحة، ومعه نظام أردوغان العلماني التركي، لبث الأكاذيب بأن المملكة مارست الضغط على دولة إسلامية شقيقة كي لا تكون جزءًا من الملتقى في كوالالمبور، في حين أن المملكة لم تلتفت للأمر أبدًا، وتثق بقوة علاقاتها بتلك الدولة وبكل دول العالم الإسلامي في أبعادها الرسمية والشعبية. تمخض الجبل فولد فأرًا، وتم الركض اليائس بالمزايدة المعتادة على قضايا الأمة وهمومها بعيدًا عن القنوات التي تم تخصيصها لهذه القضايا، ليظل المنتدى مناسبة ترويحية لأصحاب الأجندة بعد أن خنقتهم أجواء العافية والشفافية والمحبة والقوة التي تعيش فيها المملكة وسط عالمها الإسلامي الكبير، ووسط المجتمع الدولي بكل تنوعاته.