فقد المشاهد رغبته في متابعة حلقات كثير من المسابقات الشعرية الكبرى، رغم كم الأموال والأضواء، بعد أن أيقن أن ما يشاهده ما هو إلا مسرحيات يقوم فيها الممثلون بأداء أدوار جاهزة ومكتوبة بدقة لا ينبغي لهم الخروج عن نصها أبدًا، وبعد أن عرف أن المواقف والأحداث التي تُعرض تمهيدًا لبث الحلقات، وتبدو له عفوية وغير مُرتب لها، ما هي إلا «طُعم» وضع لاصطياده واستدراجه للقيام بدور أكبر من المشاهدة وهو الترويج للمسابقة الشعرية والمساهمة في إنعاشها وإعادتها إلى حياة الناس. لا يختلف الأمر في مسألة اختيار ضيوف البرامج التلفزيونية والمشاركين في الأمسيات الشعرية الكبرى، فالجميع يتحدثون عن السعي إلى تلبية رغبات الجمهور، والحرص على انتقاء الضيوف والمشاركين الأفضل والأجدر، لكن تكرار الأسماء نفسها في كل برنامج وفي كل موسم يؤكد دائمًا أن تلبية رغبة الجمهور مجرد شعار يخفي وراءه حقيقة أن البرامج والأمسيات وضعت لتلبية رغبات القائمين عليها فقط. ومن النادر جدًا أن يملك معدو البرامج ومنظمو الأمسيات الشجاعة لتقديم مبدعين من خارج الدائرة المعروفة التي يُسلط عليها الضوء باستمرار. قد يُعذر منظمو الأمسيات في حذرهم من المغامرة بإتاحة الفرصة أمام الشعراء الأقل شهرة أو التخلي التام عن المشهورين، لكن ذلك لا يعني سوى استمرار تكرار الأسماء والقصائد كل عام مع قليل من الاختلاف، مع أن بعض الجرأة بتطعيم الأمسيات بشعراء مبدعين لهم حضور مميز شعريًا، لكنهم لم يحترقوا بكثرة الضوء المسلط عليهم كفيل بخلق فارق يغري المتلقين بالحضور وزيادة التفاعل. للشاعر الكبير محمد الثبيتي (ت1432ه) قصيدة رائعة يعبّر فيها على لسان كل محب للشعر عن شعور السأم من الشعر حين يتحول على ألسنة بعض الشعراء إلى تقليدٍ وإلى كلام مُعاد لا يحرك ولا يستفز أدنى شعور، يقول الثبيتي: أَفِيقُوا أيُّها الشُّعَراء إنَّا مَلَلْنَا الشِّعْرَ أغنيةً مُعادةْ مَلَلْنَا الشِّعْرَ قيدًا من حديدٍ مَلَلْنَا الشِّعْرَ كيرًا للحدادةْ مَلَلْنَا الشِّعْرَ عبدًا للقوافي مَلَلْنَا الشِّعْرَ مسلوب الإرادةْ وفي ساحة الشعر الشعبي، لا تكمن المشكلة في الشعر ولا في الشعراء، بل في فئة من المعنيين بأمر الشعر من الإعلاميين والمنظمين الذين لا يحسنون الاختيار، أو يُصرون على المجاملة وتكرار الأسماء نفسها في جميع المناسبات والبرامج، وأولئك هم من ينبغي أن نخاطبهم بالقول: «أفيقوا» فقد ملّ عشاق الشعر من تقديمه لهم بصورة هزيلة لا تتناسب مع حقيقته.