لم أكن أعرف الدكتور محسون جلال -رحمه الله- إلاّ بعد ما قرأت كتابه (زراعة البترول)، الذي أهداني إياه الدكتور سعود الصبيحي، فهو يعرفه، وحدثني عنه وعن كفاءته ومهارته في الاقتصاد، وأنه من علماء الاقتصاد في المملكة، وقد مارس علم الاقتصاد أكاديميًا في جامعة الملك سعود عدة أعوام، بل إن كُتبه تدرس في الجامعة بوصفها مقررات ومناهج لطلاب الاقتصاد. فالدكتور محسون جلال كانت حياته للاقتصاد عمومًا، متنقلًا في ترقيات الجامعة، مدرسًا للاقتصاد في كلية التجارة، فأستاذًا مساعدًا، فأستاذًا مشاركًا. ويُعد الدكتور محسون جلال رائدًا من رواد التنمية الصناعية السعودية، وأحد المفكرين الاقتصاديين العرب، فهو من علماء الاقتصاد الذين لديهم قناعة راسخة بمبدأ التكامل الاقتصادي العربي. يقول عنه الأستاذ التونسي حمادي الساحلي في مقدمة كتاب محسون جلال (زراعة البترول): "عرفت فيه الخبير الاقتصادي الواسع العلم والمعرفة والعزيمة المخلص لأمته وعروبته" -انتهى كلامه الساحلي-، ولهذا حرصت منذ مدة على الكتابة عن الدكتور محسون، والتوقف طويلًا عند تجربته في علم الإدارة الاقتصادية، وأفكاره في مجال الاقتصاد التنموي والصناعي، وحياته عمومًا، فهو يستحق منا التنويه به؛ حيث إنه من أعلام الاقتصاد في العالم العربي. ولد الدكتور محسون جلال في مكةالمكرمة عام 1936م، ونال الشهادة الثانوية عام 1376ه -1956م-، وسافر إلى مصر لإكمال دراسته الجامعية، وحصل على الشهادة الجامعية من جامعة القاهرة عام 1381ه -1961م-، وقد تخصص في الاقتصاد، ولم يقنع بالشهادة الجامعية، فسافر إلى الولاياتالمتحدة الأميركية ليظفر بالدراسات العليا، ومنذ نشأته وهو طموح في نفسه، مطورًا ذاته في تخصصه الاقتصاد وعالم المال والصناعة والتنمية، ونال ما يصبو إليه، ففاز بالدكتوراه من أميركا سنة 1387ه -1967م-.علوم اقتصادية وبعدما حصل الدكتور محسون جلال -رحمه الله- على الدكتوراة عيّن أستاذًا في جامعة الملك سعود بالرياض في العام نفسه، التي ظفر بها بالدكتوراة، ودرس وعلم بهذه الجامعة ثمانية أعوام متمكنًا من تخصصه، فدرس العلوم الاقتصادية والرياضيات الاقتصادية وعلوم الاقتصاد في ميدان الصناعة وميدان النفط، ودرس كذلك إدارة الأعمال، كل هذا في كلية التجارة بالجامعة، وكما قلت في المقدمة إن كتبه تدرس في الجامعة، وأعتقد أنها ما زالت تدرس، وكانت رسالة الدكتوراه التي نالها هي صناعة البترول الأميركية، ويقول الدكتور محسون جلال عندما سئل عن نجاحاته في حياته أجاب قائلًا: «النجاح في الواقع هو الشعور بالرضا، ويصعب علي أن أحدد أنني نجحت في كذا وفشلت في كذا، لكن يمكن القول إن نجاحي في تعليمي كان لا بأس به، سواء أثناء دراستي التوجيهية، أو دراسة البكالوريوس، أو خلال مرحلة الدراسات العليا»، ويضيف: «ورغم أنني كنت أدرّس مواد صعبة في جامعة الملك سعود بطريقة صعبة، عانى منها كثير من طلابي، إلاّ أنني استطعت أن أترك بصماتي واضحة على علاقاتي بهم»، ويقول الأستاذ فهد بن محمد بن مفيريج: «إن الدكتور محسون جلال من خيرة الأساتذة الذين درسونا في كلية التجارة علمًا وأخلاقًا وتكاملًا». مركز استشارات وأسّس الدكتور محسون جلال -رحمه الله- أول مركز سعودي للاستشارات الاقتصادية والتسويقية، وذلك عام 1389ه -1969م- وقد استمر يدير هذا المركز مدة من الزمن، وهذا المركز قدم خدمات لرجال الأعمال والجهات الحكومية، ثم إن الدكتور محسون جلال تدرج في هذا المركز منتقلًا إلى قطاعات أخرى. وعندما ترك الدكتور محسون جلال جامعة الملك سعود تعيّن في صندوق التنمية السعودي عام 1395ه-1975م- وهذا الصندوق أنشئ على أساس منح القروض للدول النامية، وقد مكث فيه الدكتور محسون حتى عام 1398ه، وكانت وظيفته نائب رئيس الصندوق وعضو منتدب بالصندوق، وفي صعيد آخر يقول الدكتور محسون جلال عن مرحلة تعينه بصندوق التنمية السعودي عن الأوليات التي وضعها في الصندوق: «تنظيم طريقة العمل من خلال اجتماع مجلس الإدارة، الذي كان له دور في توجيه أعمال الصندوق، يضاف إلى ذلك أنني أوليت اهتمامًا كبيرًا بتوظيف الكوادر الوطنية وتدريبها، وقد تم آنذاك ابتعاث 20 شابًا سعوديًا لدراسة الماجستير برز بعضهم بشكل مرموق». مدير تنفيذي وقال الدكتور محسون جلال: «التحقت بصندوق النقد الدولي والمملكة في قمة أوجها الاقتصادي، حيث كانت من أكبر المقرضين، وكان لها الحق في تعيين مدير تنفيذي»، وهدف الصندوق إقراض الدول لمساعدتها على دعم ميزان مدفوعاتها، من خلال اللجوء إلى خزينة الصندوق أو للدول البترولية، وكان الدكتور محسون جلال قد مثل المملكة بصندوق النقد الدولي مديرًا تنفيذيًا من عام 1398ه - 1978م حتى عام 1401ه- 1981م، ويذكر أن الدكتور محسون قد تعين عضوًا في اللجنة الفنية للمجلس الأعلى للبترول، وعضوًا في المجلس الأعلى للخدمة المدنية، وشارك في عدة لجان استشارية مكلفة بدراسة أو اقتراح نماذج للسياسات الاقتصادية والاجتماعية. وتولى الدكتور محسون جلال -رحمه الله- رئاسة إدارة البنك السعودي للاستثمار خمسة أعوام، ورئاسة صندوق الأوبيك للتنمية الدولية ثلاثة أعوام، ورئاسة البنك التجاري أربعة أعوام، ورئاسة شركة النقد فيه خمسة أعوام، ومن هذا نعلم طاقة الدكتور محسون جلال -رحمه الله- وقدرته الإدارية على إدارات هذه المؤسسات الاقتصادية الخاصة، فلقد طبق واقعيًا وميدانيًا خبرته الأكاديمية وعلمه الراسخ في الاقتصاد والإدارة منذ أن رحل عن جامعة الملك سعود، وهو ينتقل من مؤسسة إلى مؤسسة، كلها لها علاقة بالمال والاقتصاد والتنمية من صناديق ومصارف وشركات في قطاع خاص، فلقد أكسبته هذه المناصب القيادية خبرة عميقة، وأصبح يؤخذ برأيه ومقترحاته في الاقتصاد وإدارة الشركات الصناعية والمصارف. شركة تصنيع وأسّس الدكتور محسون جلال -رحمه الله- شركة التصنيع الوطنية، وقد تولى رئاستها وهي شركة مساهمة، وبما أنه قيادي في الإدارة وعالم من علماء الاقتصاد بالأعمال والتنمية الاقتصادية، فقد رأس هذه الشركة وكان عضوًا منتدبًا فيها، وتأسست هذه الشركة عام 1404ه -1984م-، وكان الهدف من إنشائها كما يقول الدكتور محسون جلال في أحد لقاءاته الصحافية: أولًا: تنويع السلة الاستثمارية الصناعية بشكل تقليل درجة المخاطرة، وذلك من خلال تطوير المشروعات المختلفة، أو المشاركة في المشروعات التي يطورها الآخرون، ثانيًا: تقوية التعاون الصناعي مع القطاع الخاص المحلي وبين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والدول العربية الأخرى، وذلك في إقامة عديد من المشروعات الصناعية عن طريق طرح صندوق لها للمستثمرين ومشاركتهم في المشروعات التي يقيمونها، ثالثًا: إبراز وتأكيد وترسيخ القدرات الذاتية للمملكة، وتحقيق التكامل بين القطاعات الإنتاجية وسعودتها، والعمل على تخفيض درجة اعتمادها على قطاع الاستيراد، رابعًا: الاستفادة من الحوافز التي تقدمها الدولة للقطاع الصناعي بشكل يؤدي إلى تحقيق أهداف الشركة وتنمية حقوق المساهمين، وغيرها من الأهداف التي تحقق الاكتفاء الذاتي، ورفع درجة الاستقلالية الاقتصادية، ودفع عجلة التنمية الصناعية والاقتصادية للبلاد. استثمار مع شركات وعن المشروعات التي استثمرت فيها شركة التصنيع الوطنية، ذكر الدكتور محسون جلال -رحمه الله-، أن شركة التصنيع الوطنية دخلت في عدد من الشركات الصناعية والخدمية والاستهلاكية، وهي كالتالي: أولًا: شركات كيماوية وبترولية وهي: الشركة الوطنية للبلاستيك (ابن حيان)، وحصة الشركة فيها 15%، وتنتج كلوريد الفينيل، وظهر إنتاجها عام 1406ه -1986م-، ودخلت الشركة في الشركة الوطنية لثاني أكسيد التيتانيوم، وحصة الشركة 24% ولتنتج ثاني أكسيد التيتانيوم، ثانيًا: مشروعات ورقية: الشركة الوطنية لمواد التعبئة وطن باك، وحصة الشركة 25%، وتنتج الكرتون المضلع، شركة المنتجات الورقية، وحصة الشركة 25%، وتنتج مناديل ورق مختلفة، شركة الطفل السعيد، وحصة الشركة فيها 25%، ثالثًا: مشروعات الزجاج والخزف وهي: الشركة السعودية لإنتاج الأنابيب الفخارية، وشركات الصناعات الزجاجية، وحصة الشركة 27%، وتنتج القوارير الزجاجية. كما تقوم الشركة الوطنية للتصنيع بتطوير مشروع الزجاج المسطح بطاقة إنتاجية 100 ألف طن سنويًا، وقد أسهب الدكتور محسون جلال -رحمه الله- في تعداد مساهمة الشركة الوطنية للتصنيع في عدد من الشركات الوطنية القائمة، وهي تشمل: شركات غذائية وطنية، وكذلك نسيج وأثاث، وشركات كهربائية وإلكترونية، وشركات معدنية، وشركات خدمات، واستثمارات متنوعة، وكل هذه الشراكة فيها حصص لشركة التصنيع الوطنية، عشرات الشركات ومشروعات استثمارية وطنية ساهمت فيها الشركة الوطنية للتصنيع الوطني خلال مسيرتها منذ أن أسسها الدكتور محسون جلال عام 1404ه -1984م- وإلى عام 1413ه -1993م- حيث في هذا العام انتهت مرحلة رئاسته لهذه الشركة بعد أن مكث فيها تسع سنوات باذلًا كل جهده مع الفريق الإداري الذي معه في تطوير هذه الشركة وإنجاح سيرتها، وتحقيق الأهداف التي خطط لها، وقطف ثمار هذه الأهداف، يُذكر أن الشركة الوطنية للتصنيع قد ساهمت في استثمار خارجي هو مشروع هندسة النظم والتحكم أريكسون، وهو مشروع يقع في ميناء الشيخ سلمان في مملكة البحرين. عائد نفطي «زراعة البترول».. هذه مقولة كتبها الدكتور محسون جلال -رحمه الله- عندما كان أستاذًا بجامعة الملك سعود، وتعني الاستفادة من العائد النفطي في مشروعات صناعية وزراعية وتنموية، وليس معناها الزراعة الحقيقية كما هو الظاهر، وكان هذا عنوانًا لكتابه (زراعة البترول)، الذي جمعت فيه مقالاته ولقاءاته الصحافية في صحف ومجلات محلية، وذلك من جهود ابنته صوفي، التي تعاونت مع عدد من أصدقائه. وتولى الدكتور محسون جلال -رحمه الله- رئاسة مجلس إدارة الشركة التونسية، وقام بجهد جيد في استقطاب الاستثمارات السعودية لبحث عدة مشروعات في قطاعات اقتصادية في تونس، مثل الفنادق والمؤسسات الزراعية والصيد البحري والصناعة والنقل الجوي والخدمات. ونال الدكتور محسون أوسمة عبر حياته، منها: وسام جمهورية تايوان سنة 1976م، وسام جمهورية إندونيسيا 1978م، وسام جمهورية مالي سنة 1978م، الصنف الأول من وسام الجمهورية التونسية. هذه سطور للدكتور محسون جلال العالم الاقتصادي والإداري المتميز والأستاذ الجامعي الراسخ في عالم الاقتصاد وإدارة الأعمال، وقد توفي عام 1422ه- 2002م. أسّس أول مركز سعودي للاستشارات الاقتصادية كتاب زراعة البترول يهدف إلى الاستفادة من العائد النفطي في مشروعات تنموية في الوسط د.محسون جلال شابًا في منزله مع أحفاده صلاح الزامل