«حِجاج الفِطر واجد» هذا المثل الشعبي الجميل أورده الشيخ عبدالكريم الجهيمان في موسوعته الشهيرة (الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية)، ومعناه أن كثيراً من الناس يحلو لهم الحديث عن نيّة أداء فريضة الحج أثناء شهر الفطر «شوال»، لكن أحاديث غالبيتهم تتبخر مع قدوم موسم الحج ولا يمضي إلى مكة إلا القِلة القليلة منهم، وهذا المثل كما يذكر الجهيمان يُضرب «للأقوال والأماني التي يطلقها بعض الناس ولكنه إذا جاء وقت العمل ووقت الجد لم تجد أمامك إلا النادر القليل منهم». أتذكر هذا المثل في كل مرّة أستمع فيها لأحد الشعراء مُتحدثاً بحماس مُفرط عن اقتراب موعد صدور ديوانه الأول، لكن العام يمضي تلو العام من دون أن يصدر ذلك الديوان الموعود. في معظم الأحيان يضطر الشعراء المبدعون للتصريح عن عزمهم إصدار ديوان مطبوع قريب إرضاءً لجمهورهم الذي لا يتوقف عن السؤال ومطالبتهم بإلحاح أن يصدروا إنتاجهم الشعري، فتحول ظروف الحياة القاهرة دون تحقيق رغبتهم الخاصة ومطلب متابعيهم المستمر. وقد واجه الإعلامي عبدالله المديفر قبل أشهر الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد بسؤال عن ديوانه الموعود جاء في صيغة الاستبطاء: «تحدثت في أمسية قديمة بأن لك ديوان اسمه (نبض الشوارع) سيصدر خلال أشهر، ما شفنا شيء»؟ وقد رد الأمير بالقول: «أنا شغال على ديوان من سنتين بس كل مرة يحدث حدث ما شخصي يعطلني، ولكن أعد بأنه في القريب». ومن الطريف في هذا السياق أن الشاعر فهد عافت قد ذكر في حوار تلفزيوني أجري معه عام 2014م أن لديه ثلاثة دواوين شعرية جاهزة للطباعة، واعترف بنبرة ساخرة: «قبل خمس وعشرين سنة لي لقاء وفيه سؤال (متى تطلّع ديوان) وقلت: قريباً»! تأخر صدور الديوان المطبوع قد يكون أمراً غير مقبول من بعض محبي الشاعر وجمهوره، لكن الواقع هو أن أبسط حقوق المبدع تأجيل وعده حتى تتهيأ له الظروف المناسبة لإصدار ديوان على درجة كبيرة من النضج والإقناع، فالإصدار خطوة رائعة وفي غاية الأهمية لا ينبغي الاستعجال بها لمجرد إرضاء الآخرين، ولا شك أنّ الشاعر هو الوحيد القادر على تحديد الوقت المناسب لإصدار ديوانه، كما أنّ «حجاج الفطر»، كما يسميهم المثل الشعبي، معذورون في تأجيل فريضة الحج حتى يتوفر شرط الاستطاعة! فهد عافت عبدالكريم الجهيمان