تنوي شركة صناعة أسلحة ألمانية مقاضاة الحكومة الألمانية بسبب قرارها بوقف صادرات الأسلحة إلى المملكة، وهو القرار الذي حرمها صفقات تصل قيمتها إلى ملياري يورو؛ ضاعت بسبب قرار الحكومة الألمانية الذي أقل ما يقال عنه إنه قرار عاطفي خالٍ من أي مسؤولية. الشركة الألمانية بلا شك لا تعنيها أي حسابات إلا حسابات مصالحها التي تضررت جراء القرار الحكومي العاطفي والذي لا يرتكز إلى أي منطق أو مبرر يهدد مصالحها المباشرة أو يمتثل لقرار دولي، حيث من المعروف أن المملكة ليست سعيدة بالحرب في اليمن لكنها وجدت نفسها مضطرة وبقرار أممي لتلبية نداء الشرعية، والدفاع عن أمنها القومي وعن عروبة اليمن ضد الطموح التخريبي الصفوي. حصل قبل ذلك أن وقفت علاقاتنا الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة الأميركية حجر عثرة في وجه مشروعات الغوغاء في واشنطن ضد المملكة وإصرارهم المشبوه على خلط الأمور وتجاهل الكثير من الوقائع، وعندما تولت الإدارة الأميركية الدفاع عن علاقاتها مع المملكة نعرف أنها لم تك تدافع عن المملكة بقدر ما كانت تدافع عن مصالحها وسلامة علاقتها مع حليف بمكانة الرياض، في منطقة بحجم دمار الشرق الأوسط. هذا بالضبط ما أراده وتنبأ به سمو ولي العهد خلال لقائه الرئيس الأميركي ترمب في البيت الأبيض (مارس 2018) عندما عبر عن حرص المملكة على تعزيز العلاقات مع الولاياتالمتحدة قائلاً إن "دعائم صداقتنا قوية.. أساس العلاقة مع الولاياتالمتحدة الأميركية قوي وعميق ونفذنا 50 % من اتفاقاتنا الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة الأميركية ونعمل على خطة لاستثمار 200 مليار دولار بين البلدين.. وأن الصفقات التجارية بين البلدين من شأنها إيجاد أكثر من 120 ألف وظيفة أميركية". لغة مليئة بالأرقام التي يدرك تأثيرها على الرأي العام الأميركي كما هو تأثيرها على السياسي والمشرع الأميركي خصوصاً، وهكذا تتم صناعة النفوذ والتأثير بعيداً عن حملات العلاقات العامة، في مواجهة تقلبات المزاج الدولي، ولنا في قمة الأرجنتين خير مثال على صعوبة تجاهل المصالح الاقتصادية المشتركة، حيث كان الرئيس الروسي متحفزاً للتعبير عن رغبة بلاده في المزيد من الشراكة مع المملكة إذا ما تمادى تقلب المزاج الغربي. وهناك مثال في المنطقة حيث شاهدنا إلى أي درجة ذهبت الحكومة الفرنسية ومعها الألمانية في الدفاع عن الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران ورفضها العقوبات الأميركية؛ وبالطبع ذلك لم يك حباً بالإيرانيين بقدر ما كان دفاعاً عن مشروعات واستثمارات فرنسية وألمانية بمئات المليارات.. وكانت باريس قادرة على أن تواصل دفاعها عن الاتفاق النووي والحصول على استثناء أميركي لولا حماقة الملالي وتخطيطهم الأرعن لتفجير اجتماع المعارضة الإيرانية في باريس الذي أحبطته الاستخبارات الفرنسية. قوة النفوذ السعودي وقدرته على تشكيل السياسات والتصورات في واشنطن ليست مرتبطة بأشخاص أو توجهات بقدر ارتباطها بمصالح اقتصادية عميقة وقوية قادرة على مواجهة جماعات الضغط وشركات المحاماة والعلاقات العامة ومراكز الفكر مسبقة الدفع.. ويجب الاستمرار في تعزيز ذلك التوجه لبناء مصالح عميقة ومتنوعة تكون خط الدفاع الأول.