التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى قاد العالم في التاريخ الحديث إلى أعظم وأكبر حربين عالميتين، راح ضحيتها الملايين من البشر ما بين قتلى وجرحى ومُشردين بين عامي 1914 و1945. وبعد اكتمال النضج السياسي لدى الدول المشاركة في الحربين، أدركت أنه لا بُد من البحث عن السبب الرئيسي لكل الأزمات الدولية التي قادتها إلى ساحة الحرب، وأجمع الكُل على السبب هو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبعد فشل تجربة عصبة الأمم في احتواء الأزمات حينها، قررت الدول صياغة مبادئ يمكن من خلالها أن تحفظ الأمن والاستقرار لكل دولة. فاعتبر مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، من المبادئ الأساسية في ميثاق الأممالمتحدة، كما نص ميثاق جامعة الدول العربية على نفس المبدأ. مخالفة دولية واستمر التأكيد الدولي على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول حتى الستينات من القرن العشرين، عندما أصدرت الجمعية العامة بالأممالمتحدة التوصية رقم 2131 في 21 ديسمبر 1965 التي نصت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها، وتحريم كل أشكال التدخل، والامتناع عن السماح أو مساعدة أو تمويل كافة النشاطات المسلحة والإرهابية لتغيير الحكم في دولة أخرى. كما أصدرت الجمعية العامة بالمنظمة الدولية إعلان مبادئ القانون الدولي في 24 أكتوبر 1970، ونص على أنه ليس لدولة أو مجموعة من الدول الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى. ونتيجة لذلك اعتبرت كل أنواع التدخل أو التهديد الموجه ضد مكوناتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية مخالفاً للقانون الدولي. وعندما سقط الاتحاد السوفييتي، وبرز النظام الدولي الجديد الذي تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية في عام1991، تطرّق المجتمع الدولي مرة أخرى لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولم يكن تطرُّق المجتمع الدولي لهذا المبدأ عبثاً، بل بسبب تزايد انفتاح الشعوب على بعضها من خلال شبكات الاتصالات الإلكترونية التي تطورت حتى وصلت ما هي عليه الان خاصةً عندما استعانت بعض الدول كقطر وإيران بوسائل التواصل الاجتماعي لإسقاط أنظمة دولية. خرق القانون وعلى الرغم من التأكيد على هذا المبدأ ووجوده ضمن المبادئ الأساسية في القانون الدولي إلا أن هناك الكثير من الدول عمدت على خرق هذا القانون وتتعدد الأسباب، فالبعض منها اخترقه رغبةً لإعادة ماضيه الإمبراطوري بواسطة التوسع على حساب نفوذ وسيادة الدول المجاورة له، كإيران التي تُدير عبثاً صريحاً في قارتين. ومن الدول التي تضررت من التدخل الإيراني: العراق، اليمن، البحرين، سورية، لبنان، مصر، السعودية، ليبيا، المغرب، والقائمة تطول. وهناك الكثير من الدول تتدخل بشؤون غيرها؛ لتنفيذ أجندة خاصة بها ولغيرها كقطر. ومؤخراً انتهك هذا المبدأ السفير الكندي في السعودية "دينيس هوراك"، عندما غرّد على حسابه في موقع تويتر حول من أسماهم نشطاء المجتمع المدني في السعودية. فيما زعمت وزيرة خارجية كندا كريستيا فريلاند إن بلادها ستدافع عن حقوق الإنسان في الداخل وحول العالم وحقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وهذا الموقف ثابت ومعروف لدى الجميع. مجازفة كندا ونحن نسأل وزيرة خارجية كندا: أين كندا من الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها إيران في أكثر من دولة عربية وإسلامية؟ أين كندا مما يحصل في سورية من قِبل النظام السوري والتنظيمات الإرهابية التي تُغذيها إيران، أين هي من بعض السجون الغربية وما يحدث فيها؟ إن تدخُّل كندا في شؤون دولة مُستقرة ولها سيادتها، أمر مُثير للاستغراب، فلماذا كندا في هذا الوقت تحديداً تدخلت؟ كيف لكندا أن تُجازف وتُبرهن للعالم على عدم نُضجها سياسياً وتُجازف بعلاقاتها ومصالحها الاقتصادية التي تربُطها بالسعودية؟ هل هُناك ما هو أعظم؟ هل هُناك ما يستحق؟ أعتقد نعم. فالهدف ليس حقوق الإنسان كما تدّعي، بل هناك ما هو أعمق وربما لن تجرؤ كندا على التصريح به؛ فالتلويح بحقوق الإنسان غطاءً لما هو أعظم وأعمق، فما السر في ذلك؟ وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند ارتكبت خطأً دبلوماسياً فادحاً Your browser does not support the video tag.