كانت العرب تعتقد أن من ارتفع صيته وعلا اسمه منذ طفولته يموت قبل سن الأربعين. وكان الآباء لا يسعدون كثيرا بنبوغ أبنائهم منذ الصغر؛ خشية موتهم في سن مبكرة.. والعجيب أكثر أن هناك أمثالا عالمية كثيرة تصب في الاتجاه والمعنى نفسيهما؛ فهناك مثل صيني يقول: «الملائكة تموت مبكرة»، ومثل مكسيكي: «من ينمو بسرعة الخيزران يموت كالخيزران»، ومثل روسي: «الشموع المشتعلة تذهب قبل الجميع»، ومثل تشيكي: «الوردة السريعة تذبل قبل أوانها».. وجميع هذه الأمثال تساندها حقيقة أن معظم العظماء ممن اتضح نبوغهم في طفولتهم ماتوا في سن مبكرة (من ابن المقفع وابن سينا وأبو فراس الحمداني إلى موزرات وبروسلي وتورشيللي وفان كوخ). وقد حاول البعض تفسير هذه الظاهرة من جانبين؛ جانب فلسفي وآخر طبي .. فقد رأى فريق أن من ينبغ في صغره وينال من الدنيا أكثر من أقرانه فكأنما استوفى رزقه وأجله فيموت قبل غيره.. أما من الناحية الطبية، فهناك ما يُعرف بمرض الشيخوخة المبكرة؛ حيث يشب الطفل سريعا، فيبلغ سن العاشرة (ولم يزل في الخامسة)، وسن العشرين (ولم يزل في الثانية عشرة)، وحين يصل إلى الثلاثين يبدو في سن الخمسين أو الستين فيموت سريعا.. وفي البداية، قد يسعد الوالدان بنمو ابنهما السريع، وارتفاع معدل ذكائه؛ (حيث يبدو في ذكاء الشاب ولم يزل طفلا)، ولكنهما قد يفاجآن بموته قبلهما. .. وكنت قد قرأت بحثا من جامعة ميتشجان مفاده بأن النمو السريع في فترة المراهقة يقصر العمر. فقد اكتشف الدكتور ريتشارد ميلر، أن الأطفال الذين ينمون بسرعة وبحجم كبير في سن البلوغ، يموتون أسرع ممن ينمون ببطء ورشاقة.. وكان ميلر يسعى أساسا للتأكد من فرضية قديمة تحاول الربط بين سرعة النمو، والعمر المتوقع. وقد عمد إلى مراقبة الفئران، فاكتشف أن الفئران التي تنمو سريعا في أول شهرين تعيش أقل من غيرها 13 في المئة. كما درس معدل الوفيات لدى لاعبي السلة، فاكتشف أن من شب منهم سريعا (وطويلا)، مات قبل زملائه من متوسطي وقصار القامة ... ويقول ميلر: «رغم عدم تأكدنا من السبب، إلا أننا سنكسب عشرة أو 20 عاما إضافية إن استطعنا السيطرة على نمو الخلايا في سن المراهقة». ... المتنبي وأبو تمام ماتا في سن مبكرة نسبيا؛ وكلما قرأت لهم شيئا جميلا تساءلت عن حجم أرشيفهم الجميل فيما لو عاشوا إلى سن التسعين مثلا. Your browser does not support the video tag.