قد تحدثُ بل كثيرٌ ما تحدثُ خلافاتٌ بين الدول في أمورٍ دنيوية, سياسيةٍ كانت أم غيرها من اجتماعيةٍ, واقتصاديةٍ, ورياضية, وقد تحدثُ تباينات في الآراء ووجهات النظر المتعلقة بالحياة أو تلكَ المتصلةِ بالجوار, فهناك تباين في الآراء حول التعليم أو المال أو الإعلام, فتفترُ العلاقات بين حينٍ وآخر, وهذهِ طبيعةُ السياسة فلا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة, فالسياسة كما يقولون هي «فن الممكن، وهو ما يعني أنها في جوهرها تحويل الممكن إلى ضرب من ضروب فن التفكير، أي توسيع آفاق الواقع المعطى، والسعي الدؤوب إلى إعادة تشكيله والارتقاء به، وفق حساب دقيق لما هو معطى من إمكانات محصلة، أو محتمل تحصيلها ضمن شروط سياسية معينة». وهذا قد يكون له شيءٌ من القبول أو المنطق أو وجهة النظر, إلا أنه من غير المقبول ولا من المنطق بشيء ولا من العقلانية التي ينبغي أن تكون سيدة الموقف أن تُحشر أمورٌ دينية في الخلافات الدنيوية, إذ نلحظُ وللأسف الشديد والمحزن حقًا أن ما أن يَحِلُ الشهران الأولان من الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة) التي ينبغي أن تُقفل بها كلُ الخلافات ووجهات النظر للتفرغ لأداء فريضة الحج وتسخير كل الطاقات والإمكانات لأداء العبادة وفق ما أمر الله به, فاللهُ جلّ جلاله خلق الخلق وفرض عليهم عبادته والتفرغ لها وأمر بنبذ الجدال, قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة آية 197, إلا أن بعض الساسة ومن في قلوبهم زيغ ينتظرون هذه الأشهر وهذا الموسم بفارغ الصبر حتى تكون مدار الجدال والهمز واللمز, وتُفتح ملفات لا علاقة لها بهذه العبادة وبهذه المواسم المباركة, إنما هو الاعتقاد المبني على الكراهية ومن باب لعل وعسى أن يُكدّر وأن يكونَ وسيلةَ جدالٍ ومراء, ونلحظ أن الموضوع ذاته يتكرر والحديثُ يُعاد, وتبدأ وسائل إعلامٍ معينة باتخاذ هذا الركن وسيلةٌ للوصول إلى غاياتٍ يحلمون بها, ولو سُئل بعض مذيعي تلك الوسائل ومخرجيها والعاملين فيها عن أركان الحج وشروطه وواجباته ما كان لهم أن يجدوا جوابًا وقد يكونون أيضاً من غيرِ المسلمين ولم يروا مواقيت الحج، ولم يُدركوا ويعرفوا ما يُقدم للحج وللحجيج, إنما هم أبواق يلقون ما يكتب ويُحرر فينعقون (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا), والبعض منهم يعرف ويدرك ما يُقدّم وما يُهيّأ إلا أن نفوسهم المريضة وما يُملى عليهم محركهم الأول, فينسون ويتناسون ويبدؤون بالجدال فتنبعثُ رائحة الفسوق والعصيان, وهم يدركون ويعلمون أن اللجنة العليا للحج ممثلةً بالإدارة العامة لبحوث الحج تبدأُ أعمالها من اليوم الخامس عشر من شهر ذي الحجة لتدارس دعم الإيجابيات وتلافي السلبيات من أجل خدمات أفضل وتهيئة كل ما من شأنه توفير الراحة والطمأنينة لضيوف الرحمن, ويعلمون ويدركون أن أكثر من مليوني حاج يجتمعون في يوم واحد وفي صعيدٍ واحد ينصرفون منه في ساعةٍ واحدة ليبيتوا في مكانٍ واحد لليلةٍ واحدة ينصرفون منها في ساعةٍ واحدة ليقيموا ثلاثة أيام يرمون فيها الجمرات ومن ثم يطوفون ويسعون وينصرفون أولئك الحجاج إلى ديارهم, فأيُّ إمكانات مادية وبشرية تقوم بخدمةِ أولئك في مدةٍ كهذه, فحكومة المملكة العربية السعودية شغلها الشاغل وهمها الوحيد الذي تفخر به وتفاخر أنها خدمٌ للحرمين الشريفين اللذين هما مركز العبادة للعالم الإسلامي, إلا أنّ بعضَ الساسة يحاول تغيير شيءٍ من الحقيقة ولكن الحقيقة باقية (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ), ونرى أولئك المغرضين الحاقدين الحاسدين المبغضين يشحذون الهمم ويرفعون الرايات متمنين أن تصيبَ سهامهم شيئًا مما يبتغون ولكنّ هيَ أمانيهم والله محبط أفعالهم وأعمالهم ولا تحسبن الله بغافلٍ عما يفعل الظالمون, فما يجنون من تلك الأفعال والأقوال إلا التعبَ والنصبَ والشوكَ الآكل لأيديهم وأنفسهم وساء ما يقولون. Your browser does not support the video tag.