سياسي مصري ل«عكاظ»: «الفيتو» الأمريكي يناقض حل الدولتين    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسبب المرض    وزير الثقافة يزور الجناح السعودي في بينالي البندقية للفنون ويلتقي نظيره الإيطالي    موعد مباراة السعودية وتايلاند اليوم    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    آبل تسحب واتس آب وثريدز من متجرها الإلكتروني في الصين    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    رسالة من كاراسكو لجماهير الشباب بعد الفوز على أبها    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    خطيب الحرم المكي يوصى المسلمين بتقوى الله وعبادته والتقرب إليه    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    خطيب المسجد النبوي: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    كلوب: الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    الطقس: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    الطائي يصارع الهبوط    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    السلطة الفلسطينية تندد بالفيتو الأميركي    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    الدمّاع والصحون الوساع    المستقبل سعودي    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    الرباط الصليبي ينهي موسم أبو جبل    الإصابة تغيب كويلار أربعة أسابيع    فيصل بن تركي وأيام النصر    سعود بن جلوي يطلع على استراتيجية فنون جدة    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    دعم سعودي ب 4 ملايين دولار لعلاج سوء التغذية باليمن    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ولا تسبوا»
نشر في الرياض يوم 15 - 07 - 2018

فأذكر لفظ النفاق، إذ توسع بعضهم في إطلاقهم على مخالفيهم، فرارا من التكفير، وما علموا أن وصف المسلم ظاهرا بالنفاق تكفير له، وهو في القرآن وصف لمن آمن ظاهرا وكفر باطنا، فهو يتظاهر بالإيمان، وأما قلبه فمنعقد بالكفر، فوصف المخالف بهذا أيضا جره إرادة المسبة، والتنفير، وليس مجرد الوصف المميز بين الناس..
العناية بالألفاظ مزية تفرد بها الأسلوب القرآني تفرّدًا ارتقى إلى مستوى إعجاز الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله، ولا تنضب ينابيعه التي يستقي منها المتأملون والمتفكرون، وفي هذه المقالة سأتناول لفظًا من تلك الألفاظ التي اعتنى بها القرآن ليضعها في مواضعها مراعيًا سباقها ولحاقها ومقتطفًا الثمرة المرجوة من إطلاقها، إذ إن كل كلمة من كلمات القرآن موضوعة لمعنى مترابط مع الحالة الاجتماعية التي ربما كانت سببًا لوجود ذلك اللفظ.
لفظ «الكفر» من تلك الألفاظ التي اعتنى القرآن بمواضع إطلاقها، ولا تحمل معنى واحدًا، بل يؤخذ معناها من سياقها ووضعها، والمعنى الذي وضعت له في أغلب سياقاتها هو «عدم التصديق والإيمانِ ببعثة محمد صلى الله عليه وآله»، وبهذا المعنى لم يكن يعتبرها المكذبون مسبّةً لهم، بل يصفون بها أنفسهم في مواضع عدّة لبيان مضاهاة عقيدتهم لعقيدة من آمن وصدق بمحمد صلى الله عليه وآله، ومن قبلهم أيضًا مكذبو الرسل فإنهم لا يجدون غضاضة في إطلاق هذا اللفظ على أنفسهم «قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون»، فهم يعبرون بها عن تكذيبهم، فهي لا تعدو في نظرهم قولهم «نحن غير مصدقين»، وهي كذلك في إطلاقات القرآن تصف أقوامًا لم يصدقوا برسالات الأنبياء ورسالة محمد صلى الله عليه وآله، ولا تعني الكلمة المفهوم المغلوط عند كثير من الناس، إذ إن الجهل بمدلولات الألفاظ القرآنية يدفع أهله إلى استحداث معان ومفاهيم لم تكن مقصودة حين التنزيل، فقد ربط كثير من الناس بين هذه اللفظة «لفظ الكفر» وبين كل معاني السب والاحتقار والمذمة، وكأنه لا يجتمع في رجل كفر وتعايش مع المسلمين بأخلاق محمودة، وأغفلت بعض الأذهان ما كان يحصل من نبينا صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان من إنصاف مع من كفروا به وكذبوه، وفي التنزيل «وقولوا للناس حسنا»، «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن»، «ادفع بالتي هي أحسن»، وليس ذلك مما يختص بخطاب المسلم للمسلم، بل إنها عامة في كل المعاملات؛ لأن ذلك من حسن الخلق التي يدعى بها إلى الإسلام، بل قد نهينا عن سب ما هو أهل للسب تفاديًا لردة الفعل التي هي مما لا يرتضى أن يقع، فكيف تكون سببًا لوجوده «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا».
ومن هذا الباب تأتي كثير من الألفاظ التي نطلقها بقصد الإساءة والسب، وليس بقصد الوصف والتعريف، فيكون أثر هذا الإطلاق سلبًا، وقد خاطب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هرقل بقوله «من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى» فالمقام لا يقتضي وصفه بكلمة قد توعر الطريق إلى الهدف من مخاطبته!
ونحن في مثل هذه الأزمنة المتأخرة ما أشد حاجتنا إلى معرفة مدلولات الألفاظ ومعانيها بحسب مواضعها، حتى لا نبتلى يوما بمن يُشْكِل عليه قول إبراهيم عليه السلام لقومه «كفرنا بكم»، فيعييه فهم كنه كفر إبراهيم! أو يقرأ «فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى»، فيحتار «كيف يكفر» أو يقرأ «كمثل غيث أعجب الكفار نباته»، فيقع في حيرة فهم اللفظ، فيتبادر إلى ذهنه المكذبون بالإسلام وليس كذلك بل معناه «أعجب الزراع»، فهذا اللفظ متعدد المعاني ولم يوضع لمعنى السب والشتيمة والاحتقار قط، بل هو لفظ شرعي تتعلق به أحكام شرعية، ويترتب على إطلاقه أيضًا أحكام شرعية، وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله أيما تحذير من التهاون في إطلاقه بغير علم ويقين.
وأستطرد فأذكر لفظ النفاق، إذ توسع بعضهم في إطلاقهم على مخالفيهم، فرارا من التكفير، وما علموا أن وصف المسلم ظاهرا بالنفاق تكفير له، وهو في القرآن وصف لمن آمن ظاهرا وكفر باطنا، فهو يتظاهر بالإيمان، وأما قلبه فمنعقد بالكفر، فوصف المخالف بهذا أيضا جره إرادة المسبة، والتنفير، وليس مجرد الوصف المميز بين الناس، ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وآله (لا تعلمهم نحن نعلمهم)، فالنفاق محله القلب، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله، ولست أريد سبر غور هذا ولكن مجرد الإشارة.
والممخضة من كل هذا أن نتأنى في الوصف بألفاظ شرعية سبة وانتقاصا، دون بينة وبرهان واضح. كما لا يمنعنا أن نصف من وصفهم الله به مراعاة للخواطر، وتزييفا للواقع، فالله تعالى يقول (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)، وقال (قل يا أيها الكافرون). هذا، والله من وراء القصد.
Your browser does not support the video tag.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.