عناية هذه الدولة بالسنة هي عناية أصيلة مؤصلة.. وبالتالي فإن هذا المجمع سيكون بمثابة قاعدة بيانات لانطلاقة قوية تنفي عن السنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ونقول ولا نخشى لائمين: هناك تفسيرات للسنة مغلوطة وقراءات مخالفة وتنزيل لأحاديث على هذا العصر، بلا تثبت.. وقد يتولى بعض ذلك من يحمل فكر التطرف، الاقصاء، ومنطق الغلو والإرهاب، وتتغير الشخوص وتبقى الرسوم قائمة على نبذ فكر الإسلام الوسطي.. وبالمثال يتضح المقال.. فمثلاً لو أخذنا حديثاً مما أسيء فهمه واجتزئ سببه عن منطوقه، وادعي فيه العموم وهو للخصوص أقرب، خذ على سبيل المثال حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا (لاتبدؤوا المشركين) فهل منطوق هذا الحديث على إطلاقه؟ وهل يؤخذ منه مفهوم عام في السلم والحرب في دار الإسلام أو في بلادٍ غيره، خاصة فيما يتعلق بمسألة يومية بل لحظية في المساء والصباح والإياب والرواح، وهو أصل بين الخلق أعني التحية والسلام.. ولا يخفى مسيس الحاجة اليوم لرؤية حكم مثل هذه المسألة التي عمت به البلوى في هذه الأوقات المتأخرة، خاصة حين اختلطت الشعوب والأمم اختلاطًا كبيرًا غير مسبوق في تاريخها، فلربما وقعوا في حرج بامتناعهم عن رد التحية فضلاً عن البدء بالتحية، كما يفيده حديث سهيل هذا، خاصة وأن ظاهر هذا الحديث يعارض عموم النصوص القرآنية والنبوية التي تأمر بإفشاء السلام بين الناس.. وعند النظر في سبب الورود لهذا الحديث وملابساته.. ونظرًا لخطورة مثل هذا الأمر على حاضر الإسلام في بلاد العُرب ومستقبل المسلمين في ديار الغرب خاصة، وللأحداث الدموية الجارية، فإنني أسعى في هذه المقال لبيان الأهمية الكبرى من هذا المجمع الرائد: مجمع خادم الحرمين للسنة، وذلك عن طريق بيان صحة المراد من هذا الحديث بالأصالة بالقرآن والسنة وأقوال السلف؛ وذلك لما للفهم المغلوط لهذا الحديث وغيره من الأحاديث، كأحاديث الإقامة بين الكافرين، أو أحاديث التشبه بهم، وغيرها من الأحاديث الذي يقود الفهم المغلوط فيها ولها ولغيرها إلى إحداث كارثية على فكر الشباب، خاصة في السلام إلقاءً وردًّا أو التضييق على أهل الكتاب في الطرقات فالحديث روي من طرق غير طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة كعبد الله بن عمر: فعن سفيان الثوري عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لاقون اليهود غداً، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا وعليك)، وروي عن غيره بنحوه. فهذه الأحاديث جاءت في حادثة خروج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار يهود بني قريظة، فأمر الصحابة ألاّ يبدؤوهم بالسلام، وأن يضطروهم إلى أضيق الطريق، لأنهم أهل حرب، وفي رد السلام عليهم بذل للأمان لهم، فليس هذا الحديث على عمومه في المشركين ولا في عموم أهل الكتاب، بل ولا في كل اليهود، ولا على إطلاقه بل هو في حال الحرب مع أهل الحرب، فلا يدخل فيه أهل ذمتنا، ولا المعاهد ولا المسالم من أهل الشرك، وتطبيقات الصحابة خير شاهد فكان ابن مسعود يسلم عليهم وسئل قال لهم حق الرفقة..! وبهذا تعلم أيها الموفق الحاجة الماسة لنفي الفهوم التي لا تليق بالكتاب ولا بالسنة، ونوقن أن هذا الأمر لا يصلحه نداءات الأفراد هنا وهناك، بل لابد أن تبنى جمعيات ومجامع للذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.. تلكم أمنية، وقد تحققت بمجمع خادم الحرمين. *دكتوراة في السنة وعلومها من جامعة الإمام محمد بن سعود Your browser does not support the video tag.