تعود بداية المهرجان الوطني للتراث والثقافة إلى الثاني من رجب العام 1405ه الموافق 24 مارس من العام 1985م. ويمكن قراءة هذا المهرجان من خلال خطين متوازيين؛ حيث يمثل الخط الأول البعد الوطني في هذا المهرجان بما يعكسه من لوحات وطنية سعودية للأجيال اللاحقة في مختلف المجالات التي ربما لم تعاصر مثل هذه الفصول الجميلة من فصول تطور الوطن. أما الخط الثاني والذي لا يقل أهمية عن سابقه فيتعلق بعلاقة هذا الوطن المعطاء مع دول العالم تلك العلاقة التي بنيت على مبدأ التأثير والتأثر. فالمملكة العربية السعودية ليست دولة سلبية تعيش على هامش المجتمع العالمي بل هي جزء وجزء مؤثر من هذا المجتع الدولي، في ثنايا هذا المقال سنحاول قراءة هذا الحدث الكبير وطنياً وتربوياً. «الجنادرية وتاريخ وطن» من الممكن أن يوظف المهرجان الوطني للتراث والثقافة لتعزيز الانتماء الوطني لدى أبناء هذا الوطن، وهنا يبرز تاريخ هذا الوطن كأهم الأبعاد التي يجب على القائمين على المهرجان الوطني للتراث والثقافة التركيز عليه. حيث يتوافر وطننا الغالي على ملحمة تاريخية فريدة بذل فيها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ورجاله أرواحهم لبناء وطن ينعم أهله والمنتمون إليه بالأمن والاستقرار ورغد العيش. وهو ما تحقق بفضل الله ومنته، ومن هنا يجب استحضار هذه الملحمة كل سنة وتجسيدها تاريخياً لتتنفس الأجيال اللاحقة عبق هذا التاريخ. فعندما تعرض على هذه الأجيال المعارك الفاصلة في رحلة توحيد البلاد وأهم التضحيات، وكذلك المشروعات الوطنية التي غيرت وجه الوطن كمشروع توطين القبائل أو التنقيب عن النفط أو سك العملة السعودية وغيرها. كما يجب التركيز على عرض بعض المصادر الخاصة بهذا التاريخ سواء ما كان منها أثرياً كتلك القطع الأثرية التي تزخر بها أرض المملكة العربية السعودية أو الوثائق التاريخية التي تتناول تاريخ الوطن، ويمكن أن نذكر هنا واحة السياحة والآثار والتي عكست مثل تلك المصادر المهمة. «الجنادرية ودمعة ملك» شهد المهرجان الوطني للتراث والثقافة في هذا العام مشهداً تربوياً عفوياً يستحق أن يسجل بماء الذهب؛ حيث فاضت دمعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وهو يرى تجسيداً لشخصية مؤسس الكيان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - قام به الممثل السعودي عبدالله الأحمري. وهنا قد نتساءل ما دلالة هذه الدمعة؟ وكيف لنا توظيفها تربوياً ووطنياً؟ إن الدلالة المباشرة لهذه الدمعة هي دمعة ابن صالح رأى تجسيداً لشخصية والد عظيم فلم يتحكم في دمعته التي تعبر عن مدى البر والامتنان. أما الدلالة الأشمل لدمعة خادم الحرمين - حفظه الله - أنها تعبر عن كل مواطن سعودي يرى أمامه هذه الشخصية التاريخية العظيمة والتي أسست وبتوفيق الله هذا الوطن المعطاء الذي نعيش على أرضه معززين مكرمين. مثل هذه الدمعة يجب علينا توظيفها تربوياً لأبنائنا لكي يستشعروا مدى التضحيات التي قدمت في سبيل بناء الوطن مما يرفع لديهم معامل الانتماء الوطني لاسيما في هذا الوقت الذي طغت فيه الكثير من الظواهر السلبية من خلال الثورة المعلوماتية وثورة السوشيل ميديا. «الجنادرية وطن مصغر» الزائر للمهرجان الوطني للتراث والثقافة لاسيما في نسخته الأخيرة يلحظ أن هذا المهرجان بمكوناته المختلفة يشكل نموذحاً مصغراً للوطن؛ حيث تقف قرية التراث العربي السعودي في أرض «الجنادرية» بكل شموخ وهي تحتوي على مبان تمثل كل مناطق الوطن دون استثناء. وكل منطقة قد خصص لها المكان والإمكانات اللازمة لتعكس للجمهور ما يميزها من معدات وصناعات ومقتنيات وبضائع قديمة وموروث ثقافي وحضاري. إن هذا التنوع والثراء في الوحدة وهذه الوحدة في التنوع بحاجة إلى الوقوف أمامه كثيراً، وتبيان أهميته لأبنائنا لما في ذلك من الكثير من الإيجابيات الوطنية، ومن أهم هذه الإيجابيات إدراك عظم الجهد الذي بذله المؤسس - طيب الله ثراه - ورجاله للملمة شتات هذه المناطق وخلق هذا الوطن الشامخ مما يعزز الانتماء الوطني. أما ثاني هذه الإيجابيات والتي تفضي إلى نفس النتيجة هو إدراك أهمية هذا الوطن فهو المظلة الكبرى التي تجمعنا جميعاً على اختلاف مناطقنا من ناحية وتميزنا عن غيرنا من ناحية أخرى. إن إدراك تشابهنا في الوطن واختلافنا عن غيرنا فيه يعتبر من أقوى صور الوطنية التي تسعى الكثير من دول العالم إلى زرعها في نفوس أفرادها. ومن بين إيجابيات هذا التنوع والثراء الذي يجب أن يعلمه أولادنا والأجيال المعاصرة أنه يمثل صورة عملية لمبدأ «الحوار الوطني»؛ فنحن أمام لوحة جميلة رسمتها مناطق المملكة وإطارها العام هو المملكة العربية السعودية. «الجنادرية رؤية للمستقبل» بقدر ما تمثل الجنادرية ببعدها الماضوي الثري معيناً لتعزيز الانتماء الوطني فإن البعد المستقبلي في الجنادرية يظل مهماً وبحاجة إلى التركيز عليه بشكل كبير. وتبدو المفارقة هنا هل من الممكن أن يكون للجنادرية دور في تعزيز الانتماء الوطني عند الشباب عن طريق التركيز على المستقبل وجل محتواها يتعلق بالماضي؟ بلا شك إن وطننا الغالي وهو يخطو هذه الخطوات الواثقة إلى المستقبل، بحاجة إلى تبيان هذه الخطوات المستقبلية لشريحة الشباب تلك الشريحة التي تشكل النسبة الأكبر من تعداد السكان في المجتمع السعودي. إن مثل هذا التبيان للبعد المستقبلي في نهضة الوطن سينعكس إيجاباً وبلا شك على الانتماء الوطني لدى شباب هذا الوطن من الجنسين. ولقد شهدت ندوة «تأثير رؤية السعودية 2030 على الاقتصاد السعودي» ولمست مدى تعزيز صورة المستقبل في نفوس الشباب. «الجنادرية نافذة للعالم» تقيم اللجنة الثقافية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة العديد من الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية التي يدعى إليها حشد من المفكرين والكتاب العرب. وتعتبر هذه الندوات والمحاضرات قنوات ثقافية مناسبة لإلقاء الضوء على تلك الإنجازات الكبيرة التي تتم في المملكة سواء على المستوى المحلي أو الخارجي. إن العناية باختيار مواضيع مثل هذه المناشط الثقافية تساهم في نقل الصورة الحقيقية للمملكة خارجياً، وهو الأمر الذي يجب أن يكون في حسبان القائمين على البرنامج الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة. كما أن استضافة دولة معينة (الهند هذا العام) لتكون ضيف الجنادرية يتيح الفرصة للشباب السعودي للاطلاع وعن قرب على ثقافات وإبداعات الشعوب المختلفة مما يعزز لديهم إدراك أهمية المنجز الحضاري الإنساني والبناء عليه لصالح البشرية جمعاء، وهو الأمر الذي يتسق تماماً مع رؤية المملكة 2030 والتي تنادي بضرورة لعب المملكة دورها البناء والإيجابي على المستوى العالمي. صورة من حضارتنا حضور كبير للمهرجان أ.د. فهد مطلق العتيبي Your browser does not support the video tag.