ما لم يكن بالحسبان يوماً، الذهاب لمكان عام عرف عنه الزحام قد تحقق برحلة جماعية مع صحب كرام بعد انقطاع دام لعقدين وأكثر عن زيارة مهرجان الجنادرية، رغم أنني ممن ينفر من مواقع الزحام وينجذب لبقع السكون والهدوء والاستكنان، إلا أن رحلتي تلك أعادت لي الأمل بالعودة لبعض الأماكن العامة من بعد خصام طال أمده. فمنذ دخولي عبر بوابات المقر الدائم للمهرجان شعرت من فوري بانسابية الدخول، وأن القادم أجمل طالما أن التنظيم هو عنوان المهرجان، وهو ما أسقط كل ما تبقى من رواسب نفرتي من الأماكن العامة؛ لتبدأ رحلتنا بانسايبة بين أجنحة الوزارات والجهات الحكومية المتعددة، فكان منها المبدع والمتفوق والذي جعل من مقره جاذباً للزوار من خلال عصريته وتفعيله لأجهزة المحاكاة وإثارة التفاعل الجماهيري ومخاطبة الزوار بلغات مختلفة تتناسب مع كل الأعمار؛ لإيصال رسائلها التوعوية والهادفة؛ لتحقق بذلك أهداف مشاركتها، ومنها من شارك دون أي هدف يذكر خاسرًا بذلك فرصة وجود جماهير عريضة استقطبها المهرجان، وهو ما بيّن لنا كزوار الفارق الكبير في الاستراتيجيات وبعد النظر بين بعض المسؤولين وضرورة مواكبة بعضهم لمتغيرات العصر وطرق التواصل مع الأجيال المتعددة والناشئة. ومن بعدها أخذتنا أقدامنا بجولة جديدة في مواقع ومشاركات مناطق المملكة الحبيبة لنكتشف كنوز الثراء التاريخي والتنوع الثقافي، وإبداع الحرف اليدوية وعبير الماضي الجميل مجتمعة جميعها تحت سقف ألواننا الفلكلورية المتعددة التي انسابت أنغامها من جبالنا وسهولنا وصحارينا وقرانا ومدننا لتمتزج ببعضها البعض في تناغم وصل بنا حد النشوة بهذا الموروث التاريخي الأصيل، لنسقط من بعدها ضحايا لما لذ وطاب من أصناف مأكولات بلادنا الشعبية والغنية بتنوعها، وهو ما أرضخنا رغماً عنا للاستسلام لأصوات باعتها، ولطيب رائحتها وطيب أنفس من يقفون عليها، لنستكمل جولتنا الممتعة بعد قرار جماعي بضرورة الهروب والانسحاب الفوري والتكتيكي من مواقع المأكولات حفاظاً على برستيجنا الغذائي لنتنقل بين أجنحة المناطق المشاركة حتى وصلنا لمقر جناح ضيف المهرجان الذي كنا نأمل أن يكون عالماً غنياً بثقافته وتعدديته وتاريخه وفلكلوره ومنتجاته الحرفية. إجمالًا هو مكان يستحق الزيارة، فالتنوع الموجود يسلبك لبك ووقتك دون أن تشعر وهو ما يستحق عليه منظمو المهرجان الشكر والتقدير، فالنظافة والتنظيم وتوفير الخدمات وانتشار رجال الأمن والدوريات خارج وداخل المهرجان يستحق الثناء والشكر الجزيل، إلا أني أتقدم برجاء صغير للمنظمين بدراسة وضع لوحات إرشادية استدلالية أكثر، ونشرها في كل مواقع المهرجان، وتزويد الزوار بكتيب صغير فيه خارطة المواقع، ويحمل بين طياته رسائل تثقيفية مختصرة عن كل مشارك في المهرجان، فلقد كان تخمين الطرقات والوصول للمواقع عثرتنا الوحيدة التي واجهتنا في رحلتنا للجنادرية، لكن رغبتنا الحقيقية بمشاهدة كل ركن من أركان المهرجان الرائع أنقذتنا من تفويت تلك الفرص، وحتماً سأعيد تجربة زيارة المهرجان في الأيام القادمة لكنها ستكون مع أسرتي الصغيرة. Your browser does not support the video tag.