أتذكر تصريحاً للأمين العام للأمم المتحدة الأسبق السيد يوثانت قال فيه: المال لا يأتي بالأفكار ولكن الأفكار هي التي تأتي بالمال. إذا التفتنا إلى تاريخ الاقتصاد السعودي سوف نتأكد من حقيقة هذه المقولة ودقتها. لم يقدنا المال الوفير الذي تدفق على المملكة إلى الابتكار. كل المشروعات التي شهدناها كانت نسخة من المشروعات في بلاد الغرب. المال الذي يستخرج من تحت الأرض ينضب بينما الأفكار لا تنضب أبداً. شكلت عملية تحول الإنسان إلى الزراعة قفزة حضارية كبرى ولكن الوقوع في أسر ريع الأرض جمد عقل الإنسان فتولدت أفكار الجمود والاجترار وخمل الخيال. استمر المحراث اليدوي أكثر من سبعة آلاف سنة دون تغيير يذكر وبقي الثور سيد الاقتصاد الإنساني بلا منازع. قوقول فكرة، ستاربكس فكرة pc الكمبيوتر الشخصي فكرة، وآلاف الشركات والمؤسسات العابرة للجنسية قامت على الأفكار. إذا أردنا أن نلخص عظمة أمريكا سنرى أن الأفكار تقف وراء كل مجد اكتسبته هذه الأمة الناشئة. لم يفرض الجيش الأمريكي قوقول على الشعوب ولم يدفعهم بالبنادق للصف في طوابير من الصباح الباكر لشراء جهاز آي فون الجديد. امتلك الاتحاد السوفييتي جيشاً أقوى من الجيش الأمريكي. لكنه غرق في الإيديولوجيا والمال الريعي (النفط) فاضطهد حرية الأفكار وأغلق على نفسه فاندثر. بفضل حرية الأفكار خرج الإنسان من قيد الطبيعة إلى فضاء خياله. المكيف فكرة والطائرة فكرة والمشبك فكرة. ما كان لهذه الأفكار أن تسيطر على اقتصاد العالم وثقافته لولا أن الحضارة الحديثة ابتكرت وظيفتين الأولى المهندس والثانية المدير. أمريكا تعيش على المديرين والمهندسين دون اعتبار للجنسية أو الدين، هندي ياباني عربي إلخ.. تشتري قدراتهم بملايين الدولارات. التنافس بين الشركات هو في الواقع تنافس بين أفكار المديرين. تراجعت شركات كبرى لسوء الإدارة وتعاظمت شركات صغيرة بفضل مديريها الخلاقين. يتطلع الشعب السعودي والعالم إلى المشروعات الكبرى التي أطلقها ولي العهد. ستنتقل البلاد من شراء الرفاهية والتقدم إلى المشاركة في إنتاجهما. المشروعات الضخمة تتطلب مديرين من نمط مختلف. بنيتهم الفكرية لم تتخلق في بيئة الاقتصاد الريعي. ابتعث البنك الصناعي السعودي عند تأسيسه مجموعة من الشباب السعودي إلى أمريكا. لم يكن الهدف إحضار شهادات أكاديمية. كان المبتعثون من حملة البكالوريوس. تم إلحاقهم بعدد من المؤسسات الأمريكية (ارثر دي لتل) (تشيز منهاتن بانك) للتدرب بالعمل فيها. المشروعات العظيمة تحتاج إلى مديرين مدربين خارج البيئة التي يرومون تغييرها.