المجتمعات المتحضرة هي من تحترم دساتيرها وقوانينها لأنها هي الوسيلة المدنية لتحقيق العدالة والمساواة وبدونها تصبح الحياة عبارة عن فوضى واجتهادات شخصية. دستور المملكة المدني (النظام الأساسي للحكم) يحتوي على 83 مادة جميعها تنظم الحياة وتحقق العدالة والمساواة والمصلحة العامة وتنظم صلاحيات السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية، وقد احتوى الباب الخامس من الدستور على 21 مادة من الحقوق والواجبات التي تكفل للمواطن والمقيم كافة الحقوق والواجبات والتصرفات والسلوكيات التي تلزم السلطات بحماية واحترام حقوق الناس ، ومما يلفت الانتباه أن الدستور لم يشر في أي مادة من مواده الى الجنس سواء ذكرا أو انثى وانما كانت عباراته تشمل جميع المواطنين والمواطنات والمقيمين على أرض المملكة بدون تخصيص. اليوم المتأمل للشأن العام خلال الثلاثين سنة يجد أن هناك العديد من الممارسات والسلوكيات والأفكار غير الدستورية والتي ترتب عليها المساس بالحريات والحقوق وبخاصة حقوق المواطنات السعوديات وأدى ذلك الى مخالفات قانونية واجتهادات ليس لها أي علاقة بالجوانب الدستورية أو النظامية. وفي ظل تدني الثقافة الحقوقية والدستورية أعتقد الناس أن هناك خللا دستوريا بينما الموضوع لا يغدو كونه ممارسات سلوكية عرفية ليس لها علاقة لا بالجوانب الدستورية أو القانونية وكان الكثير ممن يهتمون بالشأن العام وحتى المثقفين يدورون في حلقة مفرغة من الجدل الاجتماعي بعيداً عن ادراك أن مثل تلك التجاوزات هي في الأصل تجاوزات دستورية ثم قانونية وبالتالي كان من الأولى اللجوء الى الجهات التشريعية والقضائية والرقابية مباشرة لوقف تلك الممارسات لتبيان وكشف مصادر وأساس تلك الممارسات غير القانونية. فساد التجاوزات وصل لحد أن بعض المسؤولين والمتنفذين ممن يمارسون الخدمة العامة اعتقدوا أنهم هم القانون وليسوا منفذين ومحترمين للقانون وتولدت حالة من الجرأة والمجاهرة وجنون العظمة لديهم جعلت من البيئة مرتعا خصبا للواسطة والرشوة والاستهتار بالمال العام والإهمال في تحمل المسؤولية ودكتاتورية السلطة والدليل على ذلك حالات التظلم لدى الجهات الرقابية وديوان المظالم ، وهذه الحالة من الفساد ومقاومة النزاهة خلقت حالة من السلبية والإحباط لدى المواطن بأن الأمور لا أمل فيها وأن شعار المواطنة الصالحة مجرد شعار وسادت عبارات (خليك بالظل، مالي ومال الناس ) وغيرها من العبارات التي تشجع على السلبية مقابل التخلي عن التوكيدية والثقة بالنفس وبأن البلد بلد القانون وأن أي شخص تحت القانون والمحاسبة . اليوم مازالت فئة السلبيين والمتسلطين والمتجاوزين للحقوق يمارسون طقوسهم في مخالفة للدستور والقانون في مؤسسات حكومية عديدة وخاصة ما يتعلق بالأحوال المدنية لحصول المواطنة على حقوقها أسوة بالمواطن من خلال المطالبة بشروط تمييزية تختلف عن شروط المواطن الذكر وهناك موظفون ومسؤولون مازالوا يعتقدون أنهم هم القانون والنظام ويخترقون القوانين بالتعاميم وبما يسمى الصلاحيات والقرارات وهؤلاء هم من يصنعون الفساد وبيئته الخصبة.