بالاعتذار من الأديب الفنان الراحل (توفيق الحكيم) استعير عنوان روايته الشهيرة (عودة الروح) وأنا هنا أقصد عودة الروح للفن الغنائي داخل الوطن بعد سنين عجاف مرت تسحق وتدمر وتلغي بأساليب شتى هذا الفن المتأصل في النفس البشرية منذ الأزل، حيث أدى ذلك الفعل إلى تهجير الفن والفنانين السعوديين من وطنهم إلى بعض الدول العربية أو الخارجية التي استغلت الكثير منهم في إحياء الحفلات الغنائية الناجحة المربحة مادياً ومعنوياً للمكان الذي تقام فيه. وفي عهد الانفتاح والرؤية ما يساند إعادة الروح لما يحتويه الكيان الكبير من تنوع في الفنون الغنائية الحديثة منها والشعبية والتي استغل بعضها فنانون عرب من المشاهير في فن التلحين والموسيقى ومنهم الفنان القدير الراحل (بليغ حمدي) كما في أغنية (سيرة الحب) لكوكب الشرق أم كلثوم، حيث استعان بإيقاع الفن الشعبي (المجرور) وغيره من الموسيقيين الذين استلهموا الكثير من الفن السعودي الذي يحتوي على أشكال عديدة من الطرب والموسيقى والإيقاع، ولقد كان لنا في ستينيات القرن الماضي إلى ثمانينياته إبداعات فنية تمثلت على الجهود التي خدمت الفنانين في مسرح الإذاعة ثم مسرح التلفزيون، فمع الفنانين المعروفين والذين كسبوا شهرتهم من عطاءاتهم المتميزة مثل: طارق عبدالحكيم ومحمود حلواني وعمر باعشن وطلال مداح وعبدالله محمد وغيرهم إلى فنان العرب محمد عبده، وبجانبهم الشعراء، إبراهيم خفاجي، ومحمد طلعت، ومحمد علي الإدريسي، وعبدالله الفيصل وخالد الفيصل، ومحمد الفهد العيسى وبدر بن عبدالمحسن ويحيى توفيق وخالد بن يزيد، وغير ذلك من الأسماء التي ساهمت وما زالت تساهم في كتابة الشعر الغنائي ولهم مكانتهم - عذراً ممن لم يرد اسمه-. خبت تلك المتعة الفنية فجأة، وأصبحت تذكر ولا ترى إلا في ذاكرة من عايشها، ومن يتعامل مع وسائل التواصل الحديث ويبحث عن بعض الأسماء سيجد ما يؤكد ما ذهبت إليه من أن كان هناك فن صودر بدعاوى من تشبعوا بأفكار مهدت لتلك المصادرة مستعينين ببعض الآراء المختلفة ما بين تأييد ومعارضة، ولكن سارت الأمور وسادت، غير أن الراهن قلب ظهر المجن فجاءت الحفلات الغنائية في بعض المدن خاصة (الرياض/ جدة) متتالية رفيعة المستوى ذوقاً وتنظيماً، وبجهود تشكر عليها هيئة الترفية، ومركز الملك فهد الثقافي. الحفلات تنتج وتكتشف المواهب كما أنها تساعد على البقاء دون الترحال إلى البلد المجاور أو البعيد عند قراءة أو سماع إعلان عن حفل غنائي (لفنان/ فنانة) سعودي أو عربي وتكبد مشاق السفر ودفع المال في سبيل الحصول على التذاكر. خطوات امتازت بالصراحة والشفافية أعادت الروح للفن والفنانين الذين يَفْرَحُون في وطنهم، ويُفْرِحُونَ مواطنيهم في عملية اللقاءات والمشاركات في قلب الوطن الغالي - حرسه الله - من كل حاسد ومن يريد به الشر، وأعان كل محب له وغيور عليه من القاعدة إلى القمة.