يعود الأسبوع القادم طلاب المدارس ومعلموهم إلى الدراسة بعد أن تمتعوا بإجازة طويلة تكاد تكون الأطول في العالم كله، وأكثر ما يثير الاستغراب أن هنالك من يتمنى أن تطول أكثر، وربما لا يمانع فيما لو ألغيت الدراسة كلية، فلا شك أن طول الإجازة وقضاء أيامها من قبل كثير من الطلاب بين السهر حتى منتصف اليوم التالي، والنوم حتى مساء اليوم نفسه، من الأمور التي نمّت لدى أولئك الكسل والخمول والركون إلى الراحة، وعدم الاشتغال بما يفيدهم من هوايات أو قراءة وما شابه ذلك؛ للحد الذي كرههم بالمدرسة وكل ما يذكّر بها، حتى صارت العودة إليها أشبه بالكابوس، ولا شك أن طول الإجازات رسّخ في أذهان الطلاب وغيرهم أن الإجازة هي القاعدة والدراسة هي الاستثناء.. ولم يقتصر هذا على الطلاب وحدهم، بل امتد ليشمل كثيرا من الكبار يستوي في هذا بعض من المعلمين والأهالي، علاوة على أولئك الذين لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل، وهم الذين ما انفكوا يرجون النكات والمفاهيم المحبطة والمشجعة على كره العودة إلى الدراسة، والمرسخة لفكرة الحق في إجازة طويلة أكثر مما ينبغي، والرافضة لزيادة أي وقت طال أم قصر على اليوم الدراسي، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى باتت المفاهيم المتعلقة بالدراسة والإجازات الطويلة عندنا محل تندر عرب الجوار علينا. لا شك أن طول الإجازات رسّخ في أذهان الطلاب وغيرهم أن الإجازة هي القاعدة والدراسة هي الاستثناء.. ولم يقتصر هذا على الطلاب وحدهم، بل امتد ليشمل كثيرا من الكبار يستوي في هذا بعض من المعلمين والأهالي، علاوة على أولئك الذين لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل.. ويدخل في هذا السياق ذلك الإعلان الذي صنعته إحدى المؤسسات التي تدين ببناء مجدها وكسبها إلى مواسم العودة للدراسة منذ سنين، وبدلا من أن تصنع دعاية ترحب بعودة الطلاب لمدارسهم، بعد تمتعهم بإجازة طويلة يفترض أنها جددت نشاطهم وشوقتهم إلى العودة إلى مقاعد الدراسة، كما تفعل كل المؤسسات التجارية المحترمة في العالم كله، حيث نجد إعلانات العودة إلى المدارس كمهرجان فرح تنتشر في كل ركن من أركان المدينة أو الدولة، مصحوبة بعبارات التشويق والترغيب والحث على الجد والعمل، وما يصاحب هذا من هدايا وتخفيضات على كل السلع التي يحتاجها الطلاب من ملابس وأدوات وحقائب وغير ذلك. ففي الوقت الذي يجب أن تساهم المؤسسات التجارية التي تربح ملايين الريالات سنويا في موسم العودة إلى الدراسة، نفاجأ بأن إحداها تصنع ذلك الإعلان المسيء للمؤسسات التعليمية في بلادنا، حيث تصور للطلاب مجتمع المدرسة وكأنه مكان يحارب كل ما يحبه الطالب من سلوك وممارسات ليست المدرسة قطعا مكانا لها، لتبدو تلك السلوكيات في أعين الطلاب وكأنها حق من حقوقهم لا ينبغي للمدرسة منعه. يبدأ الإعلان برب أسرة يصحب أبناءه في سيارته، وقد بدا عليهم التجهم والوجوم وكأنهم سيقادون إلى معركة أو حرب غير متكافئة، فيسألهم الأب عمّا أصابهم؟ لكن واضع السيناريو للفيديو التربوي العظيم يجعل الأب يتولى شرح ما سيحدث عند بدء الدراسة، بدءا من النوم في العاشرة والاستيقاظ في السادسة صباحا، ثم يأخذ الأب في شرح ما سيواجهه أبناؤه في أول يوم دراسي؛ مصحوبا بتصوير المدرسة، والأشخاص الذين يمثلون الهيئة التعليمية، في لغة لا تخلو من السخرية منهم، إلى ما هنالك من سخرية تنفر الطلاب من العودة إلى الدراسة، وترسخ السلبيات السلوكية لديهم، مما لا يليق بالمؤسسات التعليمية، ولا بالقائمين عليها، فأين كان مسؤولو تلك المؤسسة حين أجيز هذا العبث؟ وبعد كل ما قُدم في الفيديو من مهازل تحط من قيمة المدرسة بكونها مؤسسة تربوية قبل أن تكون تعليمية، للدرجة التي أوحي فيها للطلاب أن من حقهم إطالة الشعر للحد الذي لا يتناسب وبيئة المدرسة، ومن حق البنت أن تصطحب جوالها في قاعة الدرس، وتنشغل به عن متابعة درسها، وأن تضع زينة تمنعها البيئة التعليمية، بعد كل هذا العبث الدعائي، والاجتراء على المفاهيم التربوية، والسخرية من المؤسسات التعليمية والعاملين فيها، تأتي الغاية من الإعلان عندما يُخاطب الطالب وهو يخرج آخر النهار من المدرسة بعد أن لقي من الصدمات -في أول يوم حسب سيناريو الفيديو- ما لقي، بجملة تغني عمّا قُدم في الفيديو من مفاهيم مغلوطة لا تخدم العلم ولا التعليم. وحسنا فعلت وزارة التعليم عندما طلبت من الشركة سحب إعلانها، كما يجب أن تلزمها بالاعتذار عمّا ورد فيه من تشويه للمؤسسة التعليمية والجو التعليمي العام، وأن تعتذر للطلاب وأولياء أمورهم الذين استاء بعضهم من الإعلان المستفز! وذلك أضعف الإيمان، فهذه الشركة -التي نجحت بفضل المناخ الاقتصادي القوي والداعم لرجال الأعمال- كغيرها من الشركات التجارية والبنوك في بلادنا لم تساهم يوما بأي جهد لدعم مشروع وطني أو مجتمعي أو تعليمي، وبدت جميعها كالنار التي كلما امتلأت قالت هل من مزيد!