أول إشارة لمعنى النظافة سمعتها في أولى ابتدائي، في نشيد كان علينا حفظه (الولد النظيف منظره ظريف وكلنا نقدره وكلنا نبجله). كان لهذا النشيد دور كبير في زمنه، الاهتمام بالنظافة أو تطوير مفهوم النظافة جزء من التعليم في أيامنا، كان الأستاذ يفتش أظافرنا ويدقق في ملابسنا ويقدر ظروفنا أيضا. استقرت هذه المفاهيم في الأفئدة حتى أصبحت من تفاصيل حياتنا اليومية. لا أعلم ما حل بالنشيد في المقررات الدراسية، ولكن بالتأكيد انتهت الحاجة إليه، انفتاحنا على الحضارة الغربية وضعنا على مستوى آخر من التحدي، أصبح مفهوم النظافة أوسع استوردنا أسلوب العيش وأنماطه وتعقيداته وعيوبه أيضا، وزاد الأمر تعقيدا التحسن في المستوى الاقتصادي ووفرة المأكولات والأدوات والوسائل بفضل الله ثم بفضل تطور الصناعة في الغرب. تلاحظ أني أؤكد على كلمة (الغرب) في أكثر من جملة. ليس من باب جلد الذات. ما أريد قوله أن هذه الأنماط انبثقت ونمت واتخذت قواعدها القانونية والثقافية والأخلاقية في الغرب. فمثلا الأكل في (المطاعم) كان (عيباً) في ثقافتنا إلى وقت قريب، بالكاد فرضت المقاهي نفسها على حياتنا ومع ذلك بقيت تحمل معها العزلة الشللية، لم تخلق للتواصل، لا يمكن أن تتعرف على أحد في مقهى، ليس للمرء من اسم المدينة سوى الشوارع المعدة للسيارات، تدني التفاعل مع تفاصيل المدينة خفف انتمائي للمدينة فجعل أي شيء خارج بيتي لا يعنيني ولا أنتمي إليه، تلاحظ هذا على أكثر من صعيد. في ميدان المرور مثلا لا يوجد تواصل بيني وبين سائق السيارة الآخر أو إحساس بالاشتراك والتعاون والتنازل. مفهوم النظافة في ثقافتنا أيضا يتوقف عند حدود بيتي وجسدي كما قال لنا نشيد "الولد النظيف"، في اللحظة التي أخرج فيها من بيتي لا شيء يهمني؛ النظافة،النظام، الحرص على الممتلكات العامة، أي شيء خارج البيت خارج عن مسؤوليتي. اذهب إلى حديقة من الحدائق العامة التي تؤمها العائلات وتجول فيها بعد انصراف المتنزهين، أوراق وأكياس وبقايا طعام وعلب، فوضى تثير التقزز، لن تتخيل أن بشرا كانوا هنا قبل قليل، اذهب إلى البر ستجد نفس الشيء. اذهب إلى الشواطئ لن يختلف الأمر. قم بزيارة لمنزل العائلة التي كانت قبل قليل في الحديقة أو على الشاطئ، ستكتشف ثقافة مختلفة، بيت نظيف ومرتب والويل لأي طفل يرمي كيسا هنا أو يترك الطعام هناك. حافظنا على ثقافة العزلة وعلى إيقاع القرية البسيط فصرنا نعيش في مدننا دون أن نمتلكها.. نعيش فيها غرباء.