لم يكن أمام قطر وسيلة لتثبت نفسها بين الدول الكبرى إلا المال، لذلك اختارت أن تحقق كل شيء عن طريقه، رياضياً هي لا تملك أي مقومات لتكون إحدى الدول الناشطة في هذا المجال، فحين فكرت أن تستضيف بطولة بحجم مونديال كأس العالم أيقن العاملون على ملف الاستضافة أنهم لا يملكون إرثاً رياضياً يجمّلون به ملف الاستضافة، ولا يعيشون حاضراً رياضياً متقدماً يسندهم في تقديم مطالبهم لاستضافة المونديال، فرياضتهم لا تقوم على أسس متينة ولا بطولات مثيرة ولا منافسات قوية، فاللاعبون في قطر يسيطر المجنسون على غالبيتهم بنسبة تصل إلى أكثر من 70% ، الدوري الممتاز القطري عدد المتنافسين فيه 12 نادٍ فقط ، والدرجة الأولى هناك 6 أندية لتكمل نصاب رياضة قطر بما مجمله 20 نادياً فقط ، كان أمام قطر طريقان الأول أن تعمل لسنوات طويلة على رفع مستوى الرياضة لديها وتهيئة جيل من شباب وأبناء قطر، وكذلك تطوير البنية التحتية الرياضية وإيصالها إلى درجة تتواكب مع طموحات قطر في استضافة 32 منتخباً في آن واحد، لكن هذا الطريق لم يكن خيار قطر وحكومته المتورطة بدعم الإرهاب، فاختارت أن تسلك الطريق الآخر وأن تعبر إلى ملف الاستضافة من خلال شراء الأصوات لتدعيم ملفها المونديالي، لذلك كان الأمر مفاجئاً للعالم الرياضي حين أعلن بلاتر اسم قطر كدولة مستضيفة لمونديال 2022، وارتسمت علامات الدهشة على وجوه الحاضرين، لقد مضت قطر من الطريق الأقرب واختارت أن تشتري بالمال أصوات الاقتراع لتستضيف المونديال، "المال" الذي أساءت حكومة قطر استخدامه سياسياً فموّلت به الجماعات الإرهابية ، وجعلت من الدوحة حضناً دافئاً يحتضن الإرهابيين، أحدثت به شرخاً رياضياً وتسببت بصداع لكرة القدم، تلك الساحرة الصغيرة التي تؤلف الشعوب وتعبر بين الملاعب برسالة السلام والمحبة، تحولت منذ عام 2010 إلى ساحة يتقاذف فيها المسؤولون الاتهامات، وتحول مسؤولوها إلى فاسدين تحت رهن التحقيقات والإيقافات، فبدلاً من أن يتنقلوا بين الملاعب الرياضية أصبحوا يقادون مكبلين بالسلاسل إلى مكاتب التحقيقات وغرف التوقيف، جوزيف بلاتر سقط من عرش "الفيفا" ملطخاً بالمال القطري، الأسباني ساندرو روسيل أحد الواردة أسماؤهم في ملف المحقق الأميركي مايكل غارسيا أحاطت به الشرطة الأسبانية واقتادته مكبلاً إلى مكاتب التحقيق، آخر ضحايا المال القطري هو رئيس الاتحاد الأسباني ونائب رئيس الاتحاد الدولي "فيفا" أنخيل ماريا فيار الذي غادر مقر اتحاد الكرة الأسباني محاطاً برجال الأمن ومكبّل اليدين فيما ورد اسمه ضمن ملف الأميركي غارسيا متهماً بتورطه بترتيب شراء قطر لأصوات مسؤولين من اتحاد أميركا الجنوبية. لم يكتف المال القطري بما ارتكبه بحق كرة القدم، فقد عاد ليحدث ضجيجاً جديداً قبل بدء الموسم الرياضي الجاري، حين اتجهت إدارة باريس سان جيرمان المملوكة لشركة قطر للاستثمارات، إلى فسخ عقد البرازيلي نيمار داسيلفا مع برشلونة ودفع ما قيمته 222 مليون يورو، وقد كان هذا المبلغ الفلكي سبباً في ارتفاع أصوات المعارضة على الخطوة القطرية، وطالب الكثير من الرياضيين بتدخل لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم وفتح باب التحقيقات حول الصفقة المشبوهة، وقد أشارت صحف أجنبية ووكالات أنباء عالمية أن قيمة الصفقة تتجاوز الرقم المعلن، وقد أكد موقع "فينانتس" الاقتصادي الألماني أن الصفقة تجاوزت حاجز النصف مليار يورو وهو رقم ضخم للغاية، وبناءً على فرضية أن الصفقة تمت بمبلغ 222 مليون يورو، فإنه وعطفاً على إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذا المبلغ كان كفيلاً في رعاية ومساعدة 3,250,000 لاجئ سوري، وكذلك إطعام أكثر من 17,000,000 يمني بحالة انعدام أمن بسبب اعتداءات الحوثيين على مدنهم، ونقلاً عن وكالة أنباء ألمانية فإن مبلغ الصفقة الفلكي كان كفيلاً في إعمار 888 منزل بقيمة 250 ألف يورو للمنزل الواحد، كما أنه يعادل مرتب قرابة 80 ألف عامل ألماني، أو يمكن من خلاله إطعام أكثر من خمسة ملايين طفل حول العالم لمدة عام كامل لكن قطر فضلت أن ترمي هذا المال لتخبّث صفاء كرة القدم على أن تمد يدها للاجئين السوريين واليمنيين المضطهدين في بلادهم جراء اعتداءات إرهابية من جماعة الحوثي. وكالة الأنباء الرياضية الألمانية "س ي د " نقلت عن الدكتور إلك فرانكه أستاذ علم فلسفة الرياضة في كولونيا وصفه لصفقة نيمار بأنها تراجع للأخلاقيات في كرة القدم الحديثة وقال: "طالما أن هذا المبلغ الفلكي لن يوضع في صندوق استثمار بل سيوضع في إمكانيات محدودة لدى إنسان فلن يكون ممكناً تفسير المسألة بكلام منطقي فهذا شيء مرضٍ، ولن يكون بوسع الجماهير فهم أو تصور هذه الأمور إطلاقاً". ويرى أستاذ علم الفلسفة الرياضية أن هذه الصفقة هي سبب رئيسي لإلحاق الضرر بكرة القدم ويقول: "هذه التطورات ستفقد الرياضة قاعدتها على المدى المتوسط لأن الجماهير أيضاً سيصبح من الصعب عليها وبشكل دائم أن تتباهى باللاعبين". وبشكل غير مباشر تساءلت قناة "دي ام " الألمانية عن السبب الذي يجعل قطر تدفع هذه المبالغ الفلكية في وقت يوجد الكثير من الملايين في الشرق الأوسط يعيشون تحت خط الفقر وقالت: "في اليمن مثلاً هناك 400 ألف مصابين بالكوليرا ينتظرون المساعدات الدولية للعلاج ناهيك عن الطعام والغداء، وكذلك العراق فيها الكثير ممن هم بحاجة للمساعدة كتلك التي تقدمها ألمانيا للإغاثة الإنسانية لهم والتي تبلغ 150 مليون يورو خلال العام، ولا يمكننا إغفال سورية والحالة التي يعيشها الشعب جراء أحداث الحرب، لذا فإن صفقة كصفقة نيمار تثير الدهشة والحسرة في آن واحد". ويبقى السؤال: لماذا تجاهلت قطر وهي التي تتشدق بدعمها للأنشطة الخيرية بدعم اللاجئين السوريين والمنكوبين في اليمن واختارت أن تخبّث صفو كرة القدم في صفقة كلفتها قرابة مليار دولار ؟ .. لطالما كان صغر مساحة قطر وضعف إمكانياتها عقدة تلتف حول عنق حكومتها خانقةً أنفاسها، فكانت منذ سنوات طويلة تسعى دوماً لإثبات أنها دولة عظمى ولكنها غير قادرة على تفعيل ذلك واقعياً، فلجأت سياسياً إلى محاولة هدم الدول المجاورة لها وإثارة البلبلة فيها، والحال كذلك رياضياً فهي لا تملك القدرة والصبر على تطوير الرياضة القطرية حتى تكون مهيأة لاستضافة حدث عالمي فاختارت أن تسلك طريقاً محاطاً بالشبهات وممتلئاً بالفساد لتصل إلى هدفها حتى ولو كان الثمن إدخال الكرة المستديرة إلى وحل من الاتهامات والشكوك.