للمنابر احترامها وتقديرها وهيبتها وشروط يجب أن يراعيها المستمعون لمتحدث من على منبر ثقافي.. علينا أن نتبع التعليمات التي تحفظ للخطيب هيبته ومكانته وتشعره بأهميته بيننا، وكلنا نعرف هذه التعليمات: الهدوء التام خلال تحدث الواقف خلف المنبر، عدم إثارة المواضيع الجانبية والتحدث أثناء إلقاء المادة، إغلاق الهاتف وعدم التحدث أو الانشغال به أثناء فترة المحاضرة أو الأمسية. كما في المقابل هناك صفات للواقف على المنبر يجب أن يتحلى بها أثناء مثوله بين يدي رواد الكلمة وأصحاب التاريخ الأدبي، وأنا أخص شريحة الأدباء الذين يقفون على المنابر في المحاضرات والأمسيات والندوات. المنبر هو همزة الوصل بين المتحدث والمتلقي، وهو الأداة الأهم التي تربط الأديب بجمهوره ومتابعيه والمهتمين بما يكتبه ويقدمه. لذلك بجب كمال الوجوب على هذا الأديب أن يكون هو بدوره حافظاً لمكانة المنبر، وألا يستهين به مهما كانت المدة الزمنية قصيرة، أو المكان متواضعاً، أو الحاضرون قليلين. ما دعاني إلى قول هذا هو ما رأيته مؤخراً من بعض الأسماء في الساحة أثناء مشاركاتهم، حين يطلون على الناس فارغي الأيادي من الأوراق. في بادئ الأمر أظن أنه سيتحدث ارتجالاً، ثم أتفاجأ بأنه يفتح هاتفه المحمول ويبدأ القراءة منه دون أن يقدر المنبر، ولا الواقفين أمامه.. هذا التصرف أصبح ظاهرة تتكرر على كل منبر قد يرى أن القراءة الإلكترونية أسهل بالنسبة له، بدلاً عن الأوراق.. غير أن هذا الأمر يكون ممكناً عندما تكون القراءة له في منزله أو مكتبه، وليس أمام جمهور وأساتذة لهم شأن مع الورق والكتاب، ومع آداب المنبر. ألا يكفي أن الأجهزة هي المسيطرة على حياتنا بالكامل بما في ذلك مدارس أبنائنا وتنشئتهم بعيداً عن أساسيات اللغة والقراءة والكتابة؟ ألا يكفي أن الأغلبية فقدوا صلتهم بالقلم فساءت خطوطهم وأفقرت منازلهم ومكاتبهم من الورق والقلم؟! ألا يكفينا أننا أصبحنا نلتقي إلكترونياً ونغيب عن بعض واقعياً؟ فلماذا يسهم الأديب، وهو الابن البار للورق في غيابه ويشيعه مع المشيعين؟ الأديب الذي لا يهتم بهذه التفاصيل سيفقد السيطرة على نفسه مستقبلاً، ولن يكون قادراً على الانضباط، ولن يكون رائداً، ويشار إليه وهو يتبع الجديد وينفك عن روابطه الأصلية الوثيقة التي تربطه بمفهوم الأدب الحقيقي. أتمنى ألا أرى أديباً حقيقياً يقرأ من هاتفه، وأتمنى على المؤسسات الثقافية بدورها أن تنكر هذا الفعل حفاظاً على منابرها.