في الوقت الذي تتصارع فيه التيارات الفكرية على قضية السينما، ما بين مؤيد ورافض، يعاني السينمائيون السعوديون الشباب من ضغوط حياتية تجبرهم على الانسحاب من مجال الفن باتجاه مجالات وظيفية أخرى تضمن لهم العيش الكريم و"سداد الفواتير"!. وبسبب التردد في حسم قضية الاستثمار السينمائي وعدم القدرة –أو الرغبة- على تحويل هذا المجال إلى صناعة مربحة ومغرية، خسر الوطن –فعلياً- الكثير من المواهب المبدعة خلال العشر سنوات الماضية. انطلقت الموجة السينمائية الشابة في عام 2003 بعدد من المخرجين السعوديين المبدعين الذين أدهشوا زوار المهرجانات الخليجية والعربية. جيلٌ تكوّن من عبدالله آل عياف ومحمد بازيد ومحمد الظاهري لم يستطع الاستمرار لأكثر من خمس سنوات ثم اختفى ليترك الساحة لجيل ثانٍ لم يستطع هو الآخر الاستمرار لأكثر من خمس سنوات أيضاً. أين ذهب عبدالعزيز النجيم وعبدالله أحمد ومحمد سندي وغيرهم من الشباب الذين شاركوا في الدورات الأولى لمهرجان الخليج السينمائي. لقد اختفوا وابتعدوا عن المجال تماماً، والمحظوظ منهم وجد حيزاً له في صناعة الإعلانات التي تعاني هي الأخرى من تراجع كبير. في ظل هذا الواقع الفني المتذبذب، لا يُعمّر السينمائي السعودي لأكثر من خمس سنوات، وتكون سنوات نشاطه خلال فترة الدراسة الجامعية وتستمر إلى ما بعدها بسنة أو سنتين، إلى أن تأتي لحظة الحقيقة ويدرك بأن آماله في تكوين حياته –بما فيها من زواج ومنزل- لن تتحقق إلا بوظيفة لا علاقة لها بمجال إبداعه الأساسي. في الغالب لا يصل المخرج السعودي إلى سن ال 28 من عمره إلا وقد رفع أشرعته مبحراً نحو وظيفة إدارية لا تمت للفن بصلة ولا إلى الإبداع بسبب، ليصبح مجرد متابع للسينما بدل أن يكون فاعلاً فيها، وهو لم يتخذ هذا القرار إلا اضطراراً ولو وجد نسبة ضئيلة من الأمل في الاستفادة المادية من صناعته للأفلام لما ابتعد ولما أهدر موهبته في وظيفة إدارية. إن السن التي يبتعد فيها المخرج السعودي هي سن النضج التي أبدع فيها سينمائيو العالم أهم أفلامهم؛ فرانسيس كوبولا صنع تحفته "العرّاب" وهو في سن الثلاثين، وستانلي كيوبريك أبدع "دروب المجد" وهو في سن 28، لا بل إن مخرجاً كندياً شاباً مثل إكزافيه دولان لم يصل حتى الآن لسن27 ومع ذلك فقد حقق نجاحات عالمية خلال السنوات الأربع الماضية. الفرق بيننا وبينهم أنهم هيئوا البيئة الاستثمارية الجاذبة للمواهب، وسمحوا لها بالتنفس والنمو والإبداع، أما نحن فقد وضعنا المعوقات التي تخنق الموهبة وتجبرها على الانسحاب بعيداً.