نائب أمير الشرقية يزور أرامكو السعودية    في السعودية.. 122.57 مليار ريال أصول الصناديق الاستثمارية بنهاية 2023.. بنمو 5%    ألمانيا تعتقل شخصين يخططان لاستهداف قواعد أمريكية    وزير الخارجية يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزيرة خارجية بلجيكا    سمو محافظ الطائف يستقبل مدير الدفاع المدني بالمحافظة المعين حديثا    سعود بن نهار يستقبل مدير التطوير والشراكات بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع اتفاقية لدعم برنامج علاج سوء التغذية في اليمن    «جدة التاريخية»: اكتشاف خندق دفاعي وسور تحصين يعود تاريخهما إلى عدة قرون    الجمعية السعودية لطب الأورام الإشعاعي تطلق مؤتمرها لمناقشة التطورات العلاجية    أمير الرياض يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    بعد "البيانات الثلاثة" .. أزمة مباراة الأهلي والهلال إلى أين؟    سعودي ضمن المحكمين لجوائز الويبو العالمية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية    المملكة تستعرض ممكنات الاستثمار السياحي في المؤتمر العالمي للضيافة في برلين    إحباط تهريب أكثر من مليون حبة كبتاجون مُخبأة في إرسالية "فلفل وجوافة"    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    كيف تحمي نفسك من الاحتيال المالي عند تسديد المخالفات؟    رونالدو ينتصر في قضيته ضد "يوفنتوس"    لاعب العين: إيقاف سلسلة الهلال "حدث تاريخي"    إندونيسيا تصدر تحذيرًا من تسونامي    ارتفاع أسعار النفط إلى 87.39 دولارًا للبرميل    وصفات قرنفل سحرية تساعد بإنقاص الوزن    "فنّ العمارة" شاهد على التطوُّر الحضاري بالباحة    الضويان تُجسّد مسيرة المرأة السعودية ب"بينالي البندقية"    ملتقى الأعمال السعودي الإسباني يعزز التطوير العقاري    الأرصاد: ارتفاع الموج متر ونصف بالبحر الأحمر    تعليم عسير ينفذ مبادرة ملفى أجاويد استهدفت 540 من طلبة المنح الدوليين وأُسرهم:    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    الأمطار تزيد من خطر دخول المستشفى بسبب الربو بنسبة 11%    «العدل»: «تراضي» تنهي 7,700 قضية تجارية.. صلحاً    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    المملكة في قائمة أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية الذكاء الاصطناعي    «نيوم» تستعرض فرص الاستثمار أمام 500 من قادة الأعمال    آل الشيخ: العلاقات السعودية - الأردنية متقدمة في شتى المجالات    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    5 فوائد مذهلة لبذور البطيخ    قطبا القصيم والشرقية وجهاً لوجه.. والشباب يصطدم بأبها    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    أسرة الهجري تحتفل بعقد قران مبارك    أسرتا الطويل والجربوع تتلقيان التعازي في وفاة والدتهما    10 آلاف امرأة ضحية قصف الاحتلال لغزة    خادم الحرمين يرعى مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    برامج ثقافية وترفيهية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    ماكرون: على الاتحاد الأوروبي توسيع العقوبات على إيران    ريال مدريد يقصي مانشستر سيتي ويتأهل لنصف نهائي أبطال أوروبا    تراثنا.. مرآة حضارتنا    مدرب النصر "كاسترو" يتعرّض لوعكة صحية تغيّبه عن الإشراف على الفريق    امرأة تصطحب جثة على كرسي متحرك إلى بنك بالبرازيل    أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    شقة الزوجية !    الخليج يتوّج بلقب كأس اتحاد الطائرة    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    أمير الجوف يؤكد على تعزيز دور المجتمع في مسيرة التنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيروقراطية التي قتلتْ الشاعر الكبير
نشر في المدينة يوم 30 - 09 - 2020

لا نعرف عن الشاعر الروسي الكبير ماياكوفسكي، سوى كونه شاعر الثورة الروسية العظيم.. مع أن المخفي وراء هذا المناضل الكبير والمخيف بثقل اسمه، شاب عاشق لم يتحمل سرقة حريته، وفراق حبيبته، ومنعه من السفر إليها.. فقد كان الحمل ثقيلا عليه.. فقد كتب في البداية شعرًا كثيرًا جسد من خلاله علاقته بثورة أكتوبر 1917.. وربما كانت قصيدته غيمة في سروال التي بدأها في 1914 هي أهم نص عبر من خلاله على رفض كل النظم الظالمة.. قصيدة صادمة رفض فيها كل شيء مما كان يحيط به: فليسقط حبكم.. فليسقط فنّكم.. فليسقط نظامكم.
في أثناء تنقلاته تعرف، في مدينة أوديسا، على ماريا ألكسيفنا دينيسوفا، وأحبها بقوة، لكنها سرعان ما تركته وتزوجت برجل غني.. يجب القول في هذا السياق، أن طباعه كانت قاسية وأحيانًا ثقيلة.. شعر يومها بأن البورجوازية سرقت منه حبه، في ظل تسيد القيم المزيفة والعلاقات التجارية.. كان مؤمنًا بكلامه في زمن كان كل شيء فيه مسيسًا.. لهذا حملت قصائده رغباته الكبيرة في الثورة وتغيير المجتمع الظالم.. فكان أول المتنبئين بثورة أكتوبر 1917.. الكثير من قصائده التي كتبها وقتها كانت إعلانًا عن ثورة عارمة تكنس نهائيًا المجتمع الإقطاعي الظالم.. بعد انتصارها صرخ: إنها ثورتي.. أصبح بسرعة صوت الشعب الروسي المنتفض ضد الظلم.. أخضع القصيدة إلى المتطلبات الفنية خارج البلاغة الروسية الثقيلة والمعقدة.. فجاب روسيا كلها عبر المزارع والمعامل محرضًا على الثورة من أجل ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية.
في سنة 1922 سافر إلى ألمانيا وفرنسا والمكسيك وأمريكا، قال بعدها جملته الشهيرة: «جئت لأُدْهِش، لا لكي أندهش».. ليثبت أن ما حصل في روسيا كان كبيرًا.. سيغير وجه العالم.. شكلت زيارة باريس لحظة كبيرة في حياته، إذ لأول مرة يخرج من المدارات السياسية التي ابتلعته.. تعرف بباريس على شابة من أصول روسية سحرته: تاتيانا ياكوفليفا.. ارتبط بها لدرجة أن نسي كل شيء.. كان لها سحر كبير على كل من عرفته.. فكر في الزواج بها والمكوث في باريس نهائيًا.. لكنه أضطر بعدها إلى العودة إلى موسكو ليغرق من جديد في دوامة حياة سياسية قاسية سيدتها البيروقراطية التي قال فيها: «لو كنت ذئباً لقضمت البيروقراطية».. ظل مشدودًا إلى تاتيانا التي كانت تمنحه السكينة والراحة ولو عن بعد.. وتصيدته البيروقراطية، والانتهازية، فبدأت عزلته القاسية.. قصيدته مائة وخمسون مليون، الانتقادية، استقبلت بغضب من المؤسسة السياسية، لكنه ظل وفيًا لقائد الثورة، لينين، ورثاه في قصيدة طويلة في 1924: لكن البيروقراطيين، كانوا له بالمرصاد، فشددوا الحصار عليه، وضيقوا عليه الحياة، فسخروا منه ومن شعره.. أعادته العزلة القاسية التي فرضت عليه إلى العودة حبيبته تاتيانا التي شكلت له ملجأ روحيًا.. فقد احتلت داخله كليًا ومنحته سلامًا داخليًا لم يشعر به من قبل.. ظل ينتظر تلك اللحظة الاستثنائية التي يترك فيها كل شيء ويركض نحو حبيبته.. وعلى الرغم من دخوله في علاقة جديدة في 1925، في إحدى جولاته في الولايات المتحدة، مع إيلي جونز التي أنجب منها ابنته الوحيدة، فقد ظلت تاتيانا ياكوفليفا حبه الأكبر.. كتب فيها واحدة من أجمل قصائد العشق، في 1928 بعنوان «رسالة لي تاتيانا ياكوفليفا».. تواصل معها وأكد لها على ترك كل شيء والسفر إليها.. وكان مصممًا على القيام بهذه الخطوة النهائية.. ظلت تنظره بحب وشوق.. لكن الآلة البيروقراطية كانت أقوى وأخطر.. فقد منعته من السفر وأصبح الشاعر الكبير، لا شيء مع الوقت، ولم تبق إلا قصائده تغنى هنا وهناك بينما صاحبها كان يموت بهدوء وسكينة.. وتم عزله كليًا.. أدرك بسرعة أن حياته انتهت وأن حلمه قد سُرق منه.. فحرر تيتيانا من حلم لم يعد ممكن التحقق.. بعد مدة قصيرة تزوجت مرغمة من الفيسكونت دوبليه.. دخل في ظلمة قاسية لم يخرج منها أبدًا.. حتى بؤرة الضوء الوحيدة، سرقوها منه بعد منعه رسميًا من السفر، ووضعه تحت الرقابة المميتة.. عرف ماياكوفسكي أن شاعر روسيا العظيم، قد مات.. في 14 نيسان 1930، عثروا عليه جثة هامدة بعد طلقة مسدس، يتوسد بعض كلماته الأخيرة: أمي، أخواتي ورفاقي، حبيبتي، سامحوني.. هذه ليست الطريقة الصحيحة، ولا أنصح أحدًا بها، لكن لم يكن لدي أي خيار آخر.. تلك كانت النهاية المأساوية التي آل إليها شاعر كبير اختار الحب بدل البيروقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.