النفوس كالأجسام تتحد في مادتها وتكوينها إلا أنها تختلف في طباعها ضعفًا وقوة، سلبًا وإيجابًا، مرضًا وصحة، وكما أن الجسم له تفاعلاته مع الحياة حيث أجهزته الهضمية والعضلية والعصبية والعظمية والدموية تأخذ حظها وفق سنن بيولوجية، كذلك النفس لها تفاعلاتها مع الحياة حيث أجهزتها الروحية والعقلية والذهنية والداخلية والمعنوية تأخذ حظها وفق سنن سيكولوجية، والجسم والنفس يلتقيان فِي جهاز واحد هو جهاز المناعة حيث يزداد قوة في ترابطهما (معًا) ويضعف بضعف أحدهما أو فراقهما عن بعض. لا أجد هذه الأيام تعبيرًا لما عليه الكرة الأرضية من ضيق أهلها منها إلا هذه الآية القرآنية في سورة التوبة (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) الثلاثة التي تعنيهم الآية هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار وكلهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بدون أي سبب وأمر رسول الله صل الله عليه وسلم ألا يكلمهم أحد (تباعد اجتماعي قسري وإجباري) بما في ذلك نساؤهم فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزوة بعد أن لقي -عليه السلام- وفودًا تمثل الأعداء فصالحهم على أن يعطوا الجزية ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا إلى المدينةالمنورة فقابله من قابله من الذين قدموا الأعذار عن الحضور معه لغزوة تبوك وكلها أعذار واهية خلفها إما نفاق أو عدم الصدق إلا هؤلاء الثلاثة صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ليس لهم عذر إنما كان تخلفهم تكاسل وتهاون وتسويف حيث منعهم إيمانهم وصدقهم أن يلفقوا اعتذارات. المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن في المجتمع المدني حظر المخالطة الاجتماعية حتى على مستوى الزوجات فضاقت على الصادقين المخلصين المحبين لله ورسوله الأرض وتسلل الضيق إلى أنفسهم لأنهم حرموا من ملاقاة نبيهم والاستمتاع برؤيته وقفل عليهم باب نعمة كانوا ينعمون بها وهم الأقارب والأصدقاء والأصحاب والجيران وأساس الضيق عندهم هو حساسية نفوسهم نحو التقصير مع الله ورسوله وعدم المبادرة لطاعتهما لهما بأمر الخروج للغزوة، والإنسان إذا ضاق عليه شيء حتى فانيلته التي يرتديها أو حذاءه الذي يلبسه يصيبه عدم الارتياح، فما بالك بالضيق الذي يحل على النفس ويحاصرها من كل مكان، واليوم الأرض بوجود وحلول فيروس كورونا كوفيد 19 (آية بيولوجية) جعلت الناس على هذه الأرض متوجسون خائفون مما حل بهم فأصبحت الأرض لا تسعهم والكل في معظم بلاد الدنيا مجبور على البقاء في داره، ولمصلحته ألا يتجول حتى لا يصيده الفيروس وينشب في حلقه ثم ينزل على رئتيه ويضيق عليه أنفاسه فِي الوقت الذي هو ضاقت عليه نفسه من تعطل الحياة وعدم الالتقاء بالأقارب والأبناء والبنات أو بعدهم عنه في بلاد بعيدة أو بعضهم محجور عليه صحيًا أو أنه أصيب بالفيروس وهو يعاني منه، كل ذلك يتراكم مع تراكم الأيام فينال من النفس ويضيق الخناق عليها فبماذا كان الثلاثة الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم يتدرعون؟ لقد كان الباب الذي قبله الله منهم هو باب التوبة فقال تعالى (ثم تاب الله عليهم ليتوبوا) وأخذوا بالأسباب المادية التي يجب أن يواجه بها الإنسان نفسه في مثل هذه الأزمات النفسية وأولها الصبر وثانيها الصلاة وثالثها المعايشة الروحية والنفسية مع القرآن الكريم ورابعها مطالعة أحداث الحياة وبرمجة الوقت وفقًا للواقع والعيش مع الأمل واستشراف المستقبل والعزيمة على الصح من أمور الحياة وجدية العمل ومراجعة الذات وتصحيح النية حيث في ذلك كله تخفيف من الضيق على النفس ورفع لدرجة التحمل وتحقق للسعة على الأرض والنفس مما يقف سدًا منيعًا أمام تسلل الاضطرابات النفسية (الهلع والفزع والخوف والقلق والتوتر والأرق وغيرها). ومما يخفف الناحية النفسية لدى المواطنين والمقيمين في المملكة بفضل الله الخطوات المبكرة والناجحة التي اتخذتها الدولة حفظها الله ممثلة بوزارة الصحة والجهات الحكومية المختلفة ومن قبلها الرعاية الأبوية من خادم الحرمين الشريفين للمواطنين والمقيمين بالعلاج المجاني لكل من أصيب بالكورونا وكما أشار وزير الصحة في كلمته هذا التناغم في العمل لمواجهة جائحة كورونا إنما يتم بمتابعة شخصية وحثيثة من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، رفع الله عن الأرض قاطبة هذا الوباء إنه على كل شيء قدير.