لم يكن مفاجئاً القلق الكبير الذي أصاب جمهور المنتخب التشيكي أثناء المباراة الودية أمام المنتخب السعودي التي سبقت انطلاق نهائيات كأس العالم، إثر سقوط صانع الألعاب توماس روزيكي متألماً على أرضية الميدان. وبدا واضحاً أن المشجعين تجاهلوا أحداث اللقاء مركزين على تحركات الجهاز الطبي للمنتخب التشيكي لمعرفة مدى إصابة لاعبهم الموهوب، وخصوصاً أنهم تنفسوا الصعداء منذ فترة قصيرة فقط إثر عودة النجم الأول للكرة التشيكية بافيل ندفيد عن اعتزاله لارتداء شارة القائد في مونديال ألمانيا. ومما لا شك فيه أن روزيكي أكد أن خوف الجمهور التشيكي في محله بالنظر إلى التأثير السلبي الذي كان سيفرزه غيابه عن مجموعة المدرب كارل بروكنر، ورد اللاعب رقم 10 الجميل إلى الجمهور الذي صفق له طويلاً بتسجيله هدفين من ثلاثة لبلاده في مرمى الولاياتالمتحدة في الجولة الأولى من منافسات المجموعة الخامسة. الإ أن المتابعين لمباريات المنتخب التشيكي لم يتفاجؤوا البتة بالمستوى الرفيع الذي قدمه هذا الشاب البالغ من العمر 25 عاماً، إذ كان المساهم الأول في تأهل التشيك إلى النهائيات بفضل أهدافه السبعة في التصفيات، والتي جاءت مكملة لسلسلة التمريرات الحاسمة التي مهد عبرها لرفاقه هز شباك المنتخبات المنافسة. وعلى الرغم من أن المهاجم العملاق يان كولر كان الهداف الأول للفريق، سلطت الأضواء في شكل أكبر على روزيكي لتسجيله هدف الفوز في مرمى النروج في إياب الملحق الأوروبي المؤهل إلى النهائيات، علماً أنه لعب المباراة المذكورة متحاملاً على الأوجاع الناتجة عن إصابته بتمزق عضلي في فخذه. ويعد روزيكي أكثر اللاعبين موهبة الذين عرفتهم تشيكيا في العقد الأخير إلى جانب ندفيد وكارل بوبورسكي وفلاديمير سميتشر، إذ استدعي إلى صفوف المنتخب بعد موسم وحيد لعبه مع سبارتا براغ في دوري الأضواء، حيث خاض باكورة مبارياته الدولية أمام جمهورية إيرلندا في شباط - فبراير عام 2000م. ولم تمض عشرة أشهر حتى أصبح روزيكي تحت مجهر النوادي الأوروبية الكبرى بعدما أصبح أصغر لاعب (21 عاماً) يفوز بجائزة أفضل لاعب في تشيكيا. ويصح القول أن هذه الإنجازات لم تكن غريبة على لاعب من طينة روزيكي لأن كرة القدم مطبوعة في جيناته وتسري في عروقه، إذ لعب والده سابقاً مع سبارتا براغ واحترف شقيقه الأكبر ييري مع اتلتيكو مدريد الإسباني وبرغنز النمسوي قبل أن ينهي مسيرته جراء تعرضه لإصابة لا شفاء منها. وفي بداياته مع فريق العاصمة التشيكية، بدا روزيكي في السابعة عشرة من عمره غير قادر على مجاراة زملائه الذين تفوقوا عليه من الناحية البدنية، مما دفعه إلى مضاعفة جهوده في صالة اللياقة البدنية. إلا أن القصة اختلفت بعد فترة قصيرة على أرض الملعب حيث أظهر روزيكي أفضل ما لديه من مهارات فردية أدهشت رفاقه من دون استثناء، وخصوصاً في ظل الثقة العالية التي تمتع بها قبل تسجيله هدفاً خرافياً عام 2000 في مرمى أرسنال الانكليزي في دوري أبطال أوروبا على ملعب (هايبري) الخاص بالنادي اللندني. وكان الهدف المذكور كافياً لإقناع مدرب (المدفعجية) الفرنسي أرسين فنغر بإضافة اسم روزيكي على دفتر ملاحظاته الذي يتضمن أسماء اللاعبين الذين يفترض متابعتهم في المستقبل. وإذ لم تكن الظروف مناسبة وقتذاك لاستقدام الفتى الموهوب إلى عاصمة الضباب، حط الرحال بنجم تشيكيا الجديد في بوروسيا دورتموند الألماني (مقابل 13 مليون يورو) عام 2001 ، حيث منحه المدرب ماتياس زامر الحرية التامة في التحرك على المستطيل الأخضر، فخطف روزيكي الأضواء من بقية نجوم (البوندسليغه) وحاز لقب (موزار الصغير) في إشارة إلى فنياته التي أتحف بها الجماهير. وأضاف روزيكي إلى لقبي بطولة الدوري التشيكي اللذين أحرزهما مع سبارتا براغ، بطولة الدوري الألماني في ثاني موسم مع الفريق الأصفر الذي خسر معه نهائي كأس الاتحاد الأوروبي أمام فينورد روتردام الهولندي عام 2002م. إلا أن عدم قدرة دورتموند على اللحاق بركب المنافسين على الألقاب في المواسم القريبة الماضية، دفعت روزيكي إلى التفكير في الرحيل عن النادي الذي أطلق شهرته ومنحه شعبية هائلة في بلاده تجلت في كأس أمم أوروبا عام 2004 في البرتغال حيث بلغت تشيكيا الدور نصف النهائي. وجاء انتقال (موزار) الكرة التشيكية إلى أرسنال (مقابل 10 ملايين يورو) قبل انطلاق المونديال ليكون حجر الأساس في الفريق الذي شرع فينغر في تأسيسه لاستعادة الأمجاد من أرض الملعب الجديد (ستاد الإمارات). ولا مجال للشك في صوابية خيار الفرنسي الذي اعتاد قطف ثمار الصفقات التي قام بها في الأعوام الماضية متيحا أمام لاعبيه الفرصة لإظهار أفضل ما عندهم، مما رفعهم إلى مرتبة النجومية أمثال الهولندي دنيس برغكامب والفرنسيان نيكولا انيلكا وتييري هنري ومؤخراً الإسباني فرانشيسك فابريغاس. ويدرك الجميع أن انتقال روزيكي إلى فريق من حجم ارسنال الذي بلغ نهائي دوري الأبطال وخسره أمام برشلونة الإسباني سيرفع مستواه إلى أبعد الحدود ليبقى المثال في نظر مواطنيه الذين يعشقون ابتسامته الطفولية ويتابعون أدق التفاصيل المتعلقة به حتى وصل بهم المطاف إلى مناقشة جوانب مغامرته العاطفية مع إحدى مقدمات نشرة الطقس في التلفزيون المحلي. وإذا نظرنا إلى المستقبل يبدو جلياً أن روزيكي سيصبح بعد فترة قصيرة القائد الفعلي للمنتخب التشيكي، وخصوصاً أن عناصر (الحرس القديم) سيعتزلون بالجملة فور نهاية المونديال الألماني، أمثال ندفيد وكولر وبوبورسكي وتوماس غالاسيك. من هنا، سيلقى بالثقل على روزيكي وزميله في خط الهجوم ميلان باروش للحفاظ على الوجه المشرق للكرة التشيكية التي أكدت حضورها دائماً في المحافل العالمية من دون أن تنجح في الصعود إلى منصات التتويج على الرغم من أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الهدف الأسمى في أمم أوروبا عام 1996 قبل ظهور (القاتل) الألماني اوليفر بيرهوف على مسرح الأحداث مانحاً بلاده لقبها القاري الثالث بهدف ذهبي في شباك الحارس بتر كوبا (2 -1).