وفق أحدث تقرير صادر عن الادارة الاقتصادية في جامعة الدول العربية، بلغ حجم خسائر الاقتصاد الفلسطيني المتراكمة من جراء الحصار الاسرائيلي نحو 15 مليار دولار خلال المرحلة الانتقالية 1994-1998، الامر الذي ترتب عليه انخفاض فعلي في اجمالي الناتج القومي الفلسطيني بنسبة لا تقل عن 50 في المئة عما هو متوقع. وحذر التقرير من سياسة الاحتواء التي تنتهجها حكومة اسرائيل للحيلولة دون استقلال الكيان الفلسطيني، وطالب بوضع خطة عربية شاملة لمواجهة الحظر الاسرائيلي الجديد الذي يهدد الوجود العربي في فلسطين. وأشار التقرير الى نشر اسرائيل الاحقاد والشكوك بين المؤسسات الفلسطينية بمنح بعض التجار والمسؤولين امتيازات لممارسات احتكارية، وتوزيع رخص استيراد وتصاريح للبعض، كما تقرب اسرائيل بعض الوسطاء بامتيازات جمركية وضريبية وتهريب وتخليص. ولفت التقرير في هذا الصدد، الى ان اسرائيل توظف الاعتبارات السياسية بعيداً عن الشفافية، لتؤكد ان الفلسطينيين غير جديرين بالذاتية وادارة امورهم، وانه لا بد من الاعتماد على اسرائيل والابتعاد عن احلام الدولة الفلسطينية المستقلة. وأكد تقرير الجامعة العربية ان اسرائيل لا تزال تهيمن على 94 في المئة من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة، وان السلطة الفلسطينية لم تتسلم سوى 3 في المئة فقط من مساحة الضفة الغربية البالغة 5822 كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة المدن الفلسطينية المكتظة بالسكان. كما غرست اسرائيل 18 مستعمرة في قطاع غزة، محتلة بذلك 23 في المئة من مساحة القطاع، ونسبة مماثلة لحماية امن المستعمرات وشق الطرق التي تصل بينها. ويذكر ان السلطة الفلسطينية تقيم كيانها على 371 كيلومتراً مربعاً فقط، في حين تبلغ مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة 6187 كيلومتراً مربعاً. ومن هنا تستغل اسرائيل احتلالها لإقامة المستعمرات اليهودية على املاك الغائبين والاراضي الفلسطينية الشاغرة. واتهم التقرير اسرائيل باستتراف 80 في المئة من المياه الفلسطينية، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد الاسرائيلي 500 متر مكعب من المياه سنوياً، في مقابل 100 متر مكعب فقط للفلسطيني، كما امتدت سيطرة اسرائيل الى ثروات البحر الميت، والمحاجر الفلسطينية، والمصايد في البحر المتوسط. وهكذا تفرض اسرائيل تبعية كاملة على الاقتصاد الفلسطيني، ادت الى تزايد الاعتماد على الاقتصاد الاسرائيلي، سواء في التصدير ام الاستيراد، وبمعدلات تصل الى 90 في المئة، الامر الذي يزيد من خطورة الحصار الذي تفرضه اسرائيل على المناطق الفلسطينية، حيث يتحول الى حصار موت للشعب الفلسطيني نظير عزله عن العالم وحرمانه من كل ضرورات الحياة. وقد تبين من تقرير صدر اخيراً في رام الله عن منظمة اليونسكو عن تطور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الاراضي الفلسطينية حتى النصف الاول من 1999، ان بيانات مقاصة ضريبة القيمة المضافة اظهرت وصول قيمة الصادرات الفلسطينية الى اسرائيل في العام 1998 الى نحو 492 مليون دولار اميركي، وقيمة الواردات نحو 714.1 مليار دولار. وعزا التقرير نمو قيمة الصادرات الفلسطينية خلال 1998 بالمقارنة مع 1997 الى الغاء القيود الكمية المفروضة على دخول السلع الزراعية المنتجة في الاراضي الفلسطينية الى اسرائيل. وأشار الى ان المتوسط الشهري لقيمة السلع الفلسطينية المصدرة الى اسرائيل زاد في 1998 على 156 مليون شاقل اسرائيلي، بينما بلغ متوسط تلك القيمة خلال 1997 نحو 133 مليون شاقل، اما متوسط قيمة الواردات فبلغ نحو 544 مليون شاقل سنة 1998، وزاد على 507 ملايين شاقل سنة 1997. وبذلك يكون عجز الميزان التجاري الفلسطيني لمصلحة اسرائيل قد زاد بمقدار 173 مليون شاقل، بما يعادل 85.3 في المئة الى 4661 مليون شاقل عام 1998، مقارنة ب4488 مليون شاقل عام 1997. ويبدو ان السيطرة الاسرائيلية شملت ايضاً الموازنة الفلسطينية لعام 1999 التي اقرها المجلس التشريعي الفلسطيني في جلسة عقدها في 13 آب أغسطس الماضي بعد تأخير اكثر من سبعة اشهر، وقد جاءت ارقامها بالشاقل الاسرائيلي وحملت عجزاً مقدراً بنحو 9.502 مليون شاقل 121 مليون دولار على اساس 9.6 مليار شاقل للنفقات. ويبدو انه يتعذر اعتماد اصدار عملة فلسطينية في ظل الظروف الراهنة نظراً الى غياب السيادة الوطنية، وكون ميزان المدفوعات يحدد عادة قوة العملة، وهو امر غير ممكن في ظل السيطرة الاسرائيلية على معابر الحدود الفلسطينية. ونتيجة لذلك برزت دعوات لاعتماد الدينار الاردني "عملة تداول". وأوضح استاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية في نابلس يوسف عبدالحق ان اصدار العملة الفلسطينية "حق طبيعي كفلته اتفاقات المرحلة الانتقالية، الا ان ذلك يجب الا يتم قبل استكمال السيادة. وفي ظل الوضع الراهن من الافضل اعتماد الدينار الاردني بموجب اتفاقية مع البنك المركزي الاردني بما يحقق تعويض الفلسطينيين عن اي خسائر تلحق بهم مع المشاركة بإدارة الدينار، وان لم يكن ذلك ممكناً يبقى اعتماد الدولار الاميركي من دون شروط او قيود لأن الاقتصاد الاميركي عالمي ويسمح بتثبيت الدولار كعملة تداول رسمية". وأكد عبدالحق ان "بداية الحل سياسية بالدرجة الاولى انطلاقاً من انعدام امكانية فصل الاقتصاد عن السياسة وكون المشروع السياسي للسلطة الوطنية قائم على الاتفاقات التي يجب تغييرها ليتسنى تفكيك الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الاسرائيلي، مع العلم ان اتفاقي أوسلو وباريس يشكلان قيداً شديداً على الحركة الاقتصادية". وعلى رغم هذه الصورة القاتمة، يقول تقرير وضعه البنك الدولي ان الاقتصاد الفلسطيني يشق طريقه بالامكانات المتاحة لديه، وبوسعه ان ينطلق بسرعة نحو الانتعاش شريطة معالجته بمجموعة من الاستراتيجيات الناجحة وحدوث تغييرات في البيئة السياسية المحيطة به. ويشير التقرير الى ان لدى الشعب الفلسطيني قاعدة من الثروة البشرية تتمتع بكفاءة عالية حيث يعتبر من الشعوب التي يتمتع ابناؤها بقدر جيد نسبياً من التعليم والرعاية الصحية خصوصاً ان نسبة المتعلمين بين الفلسطينيين الذين تزيد اعمارهم على 15 عاماً تبلغ 84 في المئة. ويصل متوسط عدد السنوات التي يقضيها الفلسطيني في المدرسة حوالي ثماني سنوات، اما متوسط الاعمار بالنسبة الى الرجال الفلسطينيين فيصل الى نحو 70 عاماً والنساء 5.73 عاماً. ويوضح تقرير البنك الدولي ان هناك ما يصفه "بمجتمع مدني يتمتع بالحيوية والتنظيم الجيد" تربطه علاقات جيدة مع الاسواق والبنوك الدولية من خلال الجالية الفلسطينية المغتربة والمنتشرة على نطاق واسع في معظم انحاء العالم. وتقول تقديرات البنك الدولي انه نتيجة للعوامل السياسية الناجمة عن الاحتلال الاسرائيلي فإن القوة العاملة البشرية التي تعمل على تسيير الاقتصاد الفلسطيني تتراوح بين ثلث الثروة البشرية الفلسطينية ونصفها