منذ بداية نهاية الألف الثاني بات الاعتذار موضة في الغرب الذي يبدو راغباً في التخفف من اثقال ضميره والبدء بصفحة جديدة ناصعة. البابا يوحنا بولس الثاني كان أبا الاعتذارات التي بدأها في 1992 بالقول ان الكنيسة اخطأت في حق غاليليو قبل نحو ثلاثمئة وخمسين عاماً عندما منعته من التصريح ان الأرض تدور حول الشمس لإيمانها بالعكس. ثم اعتذر عن مذبحة سان بارثولوميو التي ذهب ضحيتها خمسة آلاف بروتستانتي في فرنسا في القرن السادس عشر. في ربيع العام الماضي اسف الفاتيكان "بعمق لأخطاء ابناء الكنيسة وبناتها الذين ذعروا لاختفاء جيرانهم اليهود في الحرب العالمية الثانية ولم تكن لديهم القوة الكافية ليرفعوا اصواتهم احتجاجاً". لجنة الفاتيكان اللاهوتية الدولية اعدت اعتذارا من خمس وثلاثين صفحة عن الحروب الصليبية، وثمة لجنة اخرى تنظر في الاعتذار ل "الساحرات وعملاء الشيطان" الذين أحرقوا في بوهيميا، تشيخيا، في القرن السابع عشر عندما كان رئيس لجنة التفتيش صاحب خمارة اختار ضحاياه من التجار الاغنياء واستولى على املاكهم. ويحتار فريق من المؤرخين يدرس محاكم التفتيش في امكان الاعتذار للموتى وانعكاسه، مهما كان موضوعه، على هيبة الكنيسة. لكن البابا يريد سنة ألفين سنة حبور وابتهاج، ولا بد قبل التحضير للفرح من الندم وتنقية الضمير. اي معنى للاعتذار عن اخطاء وفظائع ارتكبها غيرنا وفي زمان غير زماننا؟ يختلف الأمر بين الافراد والمؤسسات، ولئن برهن الاعتذار عن فظائع الماضي وأخطائه ثبات السلطة واستمراريتها، فإنه لا يعني الكثير في حالة فرد بعينه، ولا يجب ان يعني شيئاً في المجتمعات القبلية التي تعتبر الشخص مسؤولاً عن الجماعة كلها. كان الاعتذار ضعفاً ونعومة لا يليقان بالرجال، فكيف اذا تعلق بالحرب وهي اقصى امتحان للرجولة وحب الوطن؟ عندما زار امبراطور اليابان اكيهيتو بريطانيا العام الماضي قال انه يأسف بعمق لأن البلدين خاضا حرباً احدهما ضد الآخر على رغم رسوخ النزعة القتالية في تاريخهما وفي حضارة اليابان خصوصاً. قد يبغي السياسيون تلميع صورة حضارتهم او حزبهم فيعتذرون عن خطايا ارتكبها الاسلاف بدلاً من ان يعترفوا بأخطائهم ويكفروا عنها. انتشار المطالبة بالتعويض في نهاية القرن العشرين حرم السياسيين من الافتخار بقدرتهم على ان يكونوا حضاريين مجاناً. الباقون احياء من اسرى الحرب البريطانيين في اليابان طالبوها بتعويضات مالية عن تجويعهم وتعذيبهم وتسخيرهم في اعمال البناء فاعتذر اليابانيون ولم يعتذروا في آن. وزير الخارجية الياباني عبّر عن ندم شديد واعتذار من القلب للذين قاسوا في الحرب العالمية الثانية، والامبراطور دان الحرب نفسها ولم يشجب سلوك بلاده. ألا ينعكس الاعتذار عن الماضي ضعفاً على القائم به في الحاضر؟ السؤال يقلق البعض في حين يرى البعض الآخر انه مصدر قوة. القوي وحده قادر على الاعتذار، وعليه ان يكون ذكياً ما يكفي لكي يصوغ اعتذاره جيداً ويتجنب المطالبة بالتعويضات. الفاتيكان لام ابناء الكنيسة وبناتها في التغاضي عن محرقة اليهود، وشيراك ابقى فرنسا فوق الشبهات عندما افتتح العام الماضي بالاعتذار الى احفاد الفرد دريفوس، الضابط اليهودي المتهم زوراً بالتجسس لألمانيا في اواخر القرن الماضي، وإلى اميل زولا الكاتب الفرنسي الذي ناصره، مؤكداً أن المحاكمة: "كانت بقعة سوداء لا تليق ببلادنا وتاريخها، وخطأ قضائياً ضخماً". لا نعرف الى اين سيودي اشهر اعتذار في 1998 بصاحبه: "كانت لي علاقة غير ملائمة مع مس لوينسكي". اطرف اعتذار جاء من "التايمز" البريطانية التي ذكرت ان لوسي كلبة وزير التربية الأعمى توسخ السجاد في مكتبه: "اعتذر من لوسي لشكي في قدرتها على ضبط النفس". العرب لا يعتذرون لأنهم لا يخطئون، والحق دائماً على اميركا واسرائيل او غيرهما.