تقابلني ملامح العجب والدهشة عندما أُعرف بنفسي، وأسئلة من نوع: لماذا سُميت بهذا الاسم؟ وما معناه؟ ولماذا لا تستبدلينه باسم أجمل؟ وأجيب بمرونة وبساطة اكتسبتها من تراكم المواقف المشابهة، وربما للطرافة طالبت بتعويض عن نطق أو كتابة اسمي بطريقة خطأ. وأما مراحلي الدراسية الثلاث فلم يشاركني أحد في الاسم نفسه إلا شقاوتي التي جعلت تحركاتي تحت العين. لا أعلم إن كانت شقاوة أم لا، هم كانوا يقولون ذلك. أذكر حينما أعلنوا في إذاعة الصباح:"على الطالبة علوة الأسمري أن تتوجه إلى الإدارة"، اختلطتْ مشاعري وارتبكت. فآخر عهدي بالإدارة الحصة الخامسة يوم أمس، بسبب فوضى في الفصل. تشجعتُ وتوجهت إلى غرفة الإدارة، فاستقبلتني المديرة بوضع النظارة جانباً، والتلويح بمظروف في يدها اليمنى. قالت:"هذه رسالة باسمك يا علوة". كدت أطير من الفرح، لولا تساؤلات تصادمت داخل عقلي الصغير, من أين؟ أضافت المديرة بعصبية واضحة:"هذه أول وآخر مرة نسلمك رسالة، فاهمة؟ مشاغبة، وتصلك رسائل من مجلة تافهة أيضاً". أومأت برأسي إيجاباً، وأنا أخطف الرسالة من بين أصابعها، وقد تعلقت عينايِّ بشعار مجلتي العزيزة. وحلقتُ كفراشة أو هكذا خيل إليّ، إلى أن وصلت إلى ممر، نهايته فصل خامس/ ب، مسحتْ عيناي المظروف بلهفة. آه هذا اسمي وتحته اسم مدرستي، وهنا طابع البريد بشعار المجلة، وفي حركة آلية مزقت طرف المظروف، كي أسحب ما في داخله، وابتلعت حروف الرسالة من أسرة تحرير المجلة:"إلى صديقة المجلة علوة الأسمري... نعتذر عن انتهاء نسخ مجلد القصص الذي طلبته، ونرجو تواصلك الدائم مع المجلة. مرفق معها النقود التي أرسلتها". على رغم كل شيء كان استمتاعي بوصول الرسالة أكبر. لملمتُ الرسالة ومعها مشاعري ووضعتها في جيب مريولي وتقدمت إلى الفصل ودخلت متجهة إلى مكاني. وفي أول فرصة سنحت، همست في أذن زميلتي المجاورة، بالخبر، وهكذا اشتعلت نيران الخبر بأكوام قش, وأصبح الفصل ذلك اليوم يغص بالزوار لقراءة الرسالة. من يعرفني ومن لا يعرفني. هبت عواصف المراهقة، كي تهز قناعتي في نفسي، وكان اسمي علوة أول الضحايا. فتنقلت اختار بين الأسماء ورسمت لنفسي اسم داليا. وفي إحدى حصص معلمة العربي، وبهدوئها الأنيق طلبت منا البحث عن معاني أسمائنا إلى أن تحين حصة التعبير الأسبوع المقبل. وباءت الجهود المستنفرة في محيط العائلة للبحث عن معنى اسمي بالفشل. وفي الحصة الموعودة، تتطايرت معاني الأسماء بين طالبات الفصل، وازداد حنقي على اسمي، وبدأت الطالبات التحدث عن معاني أسمائهن إلى أن وصلني الدور، وبشعور اللامبالاة التي غطت أعصابي المشدودة أخبرتها أني لم أجد لاسمي معنى. ابتسمتْ واستقامتْ متوجهة إلى السبورة وكتبتْ: علوة بالخط العريض. قالت: تأملي معي اسمك انه يدل على العلو والرفعة، معناه واضح من نطقه. فكأنما ضخت مياه التصالح بيني واسمي، وكادت تتعالى ضحكتي وتهز أرجاء الفصل لولا هدوئها المهيب. ومن يومها أصبح اسم جدتي لوالدي، قبل أن يكون اسمي، واضح الملامح، أعُرف به شخصي بكل فخر أينما كنت، وأذُيل به كتاباتي المتواضعة على رغم بعض النداءات الخافتة، كي أكتب خلف اسم مستعار، والتي أقابلها بأذن من طين وأخرى من عجين، بسبب قناعتي أن شخصية الإنسان هي التي تميز اسمه. اسمي مميز هيبتْ...